الإعجاز البياني في كلمة ( مطر ) في القرآن الكريم
وأذكر في هذا المبحث أقوال المفسرين حول كلمة ( مطر ) ومشتقاتها في القرآن الكريم :
1- قوله تعالى : ( وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ
إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا ) النساء : 102 .
قال الإمام الرازي :
والمعنى أنه إن تعذر حمل السلاح إما لأنه يصيبه بلل المطر فيسود وتفسد حدته ، أو لأن من الأسلحة ما يكون مبطناً فيثقل على لابسه إذا ابتل بالماء ، أو لأجل أن الرجل كان مريضاً فيشق عليه حمل السلاح ، فههنا له أن يضع حمل السلاح [1].
قلت : اعتبر القرآن الكريم المطر أذىً ولهذا جاء باسم المطر ولم يقل : غيثٍ أو ماءٍ .
2- قوله تعالى : ( وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ) الأعراف : 84 .
يقول الإمام الزمخشري :
وقيل : أمطر عليهم ثم خسف بهم . فإن قلت : أي فرق بين مطر وأمطر؟ قلت : يقال مطرتهم السماء ووادٍ ممطور . ومعنى مطرتهم : أصابتهم المطر ، كقولهم : غاثتهم ووبلتهم وجادتهم ورهمتهم . ويقال : أمطرت عليهم كذا ، بمعنى أرسلته عليهم إرسال المطر { فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ السماء } [ الأنفال : 32 ] ، { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مّن سِجّيلٍ } [ هود : 82 ] . ومعنى { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَرًا } وأرسلنا عليهم نوعاً من المطر عجيباً يعني الحجارة . ألا ترى إلى قوله :
{ فَسَاء مَطَرُ المنذرين } [ الأعراف : 84 ] [2].
وقال الإمام ابن عطية :
وقوله تعالى : { وأمطرنا عليهم } الآية ، نص على إمطار وتظاهرت الآيات في غير هذه السورة أنه بحجارة [3].
وقال الإمام الرازي :
يقال : مطرت السماء وأمطرت ، والأول أفصح ، وأمطرهم ، مطراً وعذاباً ، وكذلك أمطر عليهم ، والمراد أنه
تعالى أمطر عليهم حجارة من السماء بدليل أنه تعالى قال في آية أخرى :
{ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مّن سِجّيلٍ } [ الحجر : 74 ] [4].
يقول الإمام أبي السعود :
{ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَرًا } أي نوعاً من المطر عجيباً وقد بينه قوله تعالى : { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مّن سِجّيلٍ } قال أبو عبيدة : مُطر في الرحمة وأُمطِر في العذاب . وقال الراغب : مُطر في الخير وأُمطر في العذاب ، والصحيح أن أَمطَرنا بمعنى أرسلنا عليهم إرسالَ المطر [5].
ويقول الإمام الألوسي :
{ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَرًا } أي نوعاً من المطر عجيباً وقد بينه قوله سبحانه : { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مّن سِجّيلٍ } [ الحج : 74 ] . وفي «الخازن» أن تلك الحجارة كانت معجونة بالكبريت والنار . وظاهر الآية أنه أمطر عليهم كلهم . وجاء في بعض الآثار أنه خسف بالمقيمين منهم وأمطرت الحجارة على مسافريهم وشذاذهم حتى أن تأجرا منهم كان في الحرم فوقفت له حجر أربعين يوماً حتى قضى تجارته وخرج من الحرم فوقع عليه . وفرق بين مطر وأمطر فعن أبي عبيدة أن الثلاثي في الرحمة والرباعي في العذاب ومثله عن الراغب ، وفي «الصحاح» عن أناس أن مطرت السماء وأمطرت بمعنى ، وفي «القاموس» ( لا يقال أمطرهم الله تعالى إلا في العذاب ) . وظاهر كلام «الكشاف» في الأنفال ( 23 ) الترادف كما في «الصحاح» لكنه قال : ( وقد كثر الإمطار في معنى العذاب ) وذكر هنا أنه يقال : ( مطرتهم السماء وواد ممطور ويقال : أمطرت عليهم كذا أي أرسلته ( عليهم ) إرسال المطر ) . وحاصل الفرق كما في «الكشف» ملاحظة معنى الإصابة في الأول والإرسال في الثاني ولهذا عدي بعلى ، وذكر ابن المنير ( أن مقصود الزمخشري الرد على من يقول : إن مطرت في الخير وأمطرت في الشر ويتوهم أنها تفرقة وضعية فبين أن أمطرت معناه أرسلت شيئاً على نحو المطر وإن لم يكن ماءً حتى لو أرسل الله تعالى من السماء أنواعاً من الخير . . . لجاز أن يقال فيه : أمطرت السماء خيراً أي أرسلته إرسال المطر فليس للشر خصوصية في هذه الصيغة الرباعية ولكن اتفق أن السماء لم ترسل شيئاً سوى المطر إلا وكان عذاباً فظن أن الواقع اتفاقاً مقصود في الوضع )
( وليس به انتهى ) [6].
ذكر المفسرون في هذه الآية الفرق بين مطر وأمطر فالأول بمعنى أصابهم المطر أي ماء المطر وهو الأفصح كما قال الرازي ، والثاني : بمعنى أرسل إرسال المطر وهنا لأن المقام مقام انتقام وتعذيب فقد ذكرت مادة المطر ولكن بوجه غير الوجه المعهود - وهو ماء المطر- وذلك الوجه جاء بمعنى الحجارة وليس الماء كما في آية أخرى : { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مّن سِجّيلٍ } [ الحجر : 74 ]، ولذلك لم يذكر الغيث هنا أو الماء ، وأما ما ذكره أبو السعود عن أبي عبيدة والراغب في أن مطر في الرحمة والخير وأن أمطر تكون في العذاب فلم يوجد في القرآن .
* * * *
2- قوله تعالى : ( وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ
أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) الأنفال : 32 .
يقول الإمام الزمخشري :
{ عَذَاباً مّن فَوْقِكُمْ } كما أمطر على قوم لوط وعلى أصحاب الفيل الحجارة [7].
ويقول – أيضاً- :
( ويستعجلونك بالعذاب ) العنكبوت :53 . كان استعجال العذاب استهزاء منهم وتكذيباً ، والنضر بن الحرث
هو الذي قال : اللَّهم أمطر علينا حجارة من السماء [8].
وقال الإمام الرازي :
واعلم أنه تعالى لما حكى هاتين الشبهتين لم يذكر الجواب عن الشبهة الأولى ، وهو قوله : { لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هذا } ولكنه ذكر الجواب عن الشبهة الثانية ، وهو قوله : { وَمَا كَانَ الله لِيُعَذّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ الله مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } ثم قال بأن تقرير وجه الجواب أن الكفار لما بالغوا وقالوا : اللهم إن كان محمد محقاً فأمطر علينا حجارة من السماء ، ذكر تعالى أن محمداً وإن كان محقاً في قوله إلا أنه مع ذلك لا يمطر الحجارة على أعدائه ، وعلى منكري نبوته ، لسببين : الأول : أن محمداً عليه الصلاة والسلام ما دام يكون حاضراً معهم ، فإنه تعالى لا يفعل بهم ذلك تعظيماً له ، وهذا أيضاً عادة الله مع جميع الأنبياء المتقدمين ، فإنه لم يعذب أهل قرية إلا بعد أن يخرج رسولهم منها ، كما كان في
حق هود وصالح ولوط [9].
يقول الإمام أبي السعود :
والمعنى أن القرآن إن كان حقاً منزلاً من عندك فأمطِرْ علينا الحجارةَ عقوبةً على إنكارنا أو ائتنا بعذاب أليم سواه ، والمرادُ منه التهكمُ وإظهارُ اليقينِ والجزمِ التامِّ على أنه ليس كذلك وحاشاه [10].
ذكر المفسرون هنا أن النضر بن الحارث طلب أن يمطر عليهم حجارة من السماء وذلك على سبيل الاستهزاء ،وهذا يدل على أن العرب كانت تعرف هذا المعنى وهو أن المطر يكون في جانب الشر ولكنه قال أمطر ولم يقل مطرّ لأنها تكون في الخير بينما الأولى فتكون في الشر على ما ذكر العلماء في الفرق بينهما
* * * *
3- قوله تعالى : ( فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ ، مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ ) هود :82 - 83 .
قال ابن عطية – رحمه الله - :
و « أمطر » أبداً إنما يستعمل في المكروه ، ومطر يستعمل في المحبوب ، هذا قول أبي عبيدة .
ثم قال : وليس كذلك وقوله تعالى : { هذا عارض ممطرنا } [ الأحقاف : 24 ] يرد هذا القول لأنهم إنما ظنّوه
معتاد الرحمة [11].
وقال الإمام الرازي :
أن الأمر لا يمكن حمله ههنا على العذاب ، وذلك لأنه تعالى قال : { فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عاليها سَافِلَهَا } وهذا الجعل هو العذاب ، فدلت هذه الآية على أن هذا الأمر شرط والعذاب جزاء ، والشرط غير الجزاء ، فهذا الأمر غير العذاب ، وكل من قال بذلك قال إنه هو الأمر الذي هو ضد النهي . والثالث : أنه تعالى قال : قبل هذه الآية { إِنَّا أُرْسِلْنَا إلى قَوْمِ لُوطٍ } [ هود : 70 ] فدل هذا على أنهم كانوا مأمورين من عند الله تعالى بالذهاب إلى قوم لوط وبإيصال هذا العذاب إليهم [12].
يقول الإمام أبي السعود :
قيل : يُرسَل بعضُه إثرَ بعضٍ كقِطار الأمطار [13].
قلت : ردّ ابن عطية القول بالفرق بين مطر الذي في الخير ، وبين أمطر التي في الشر على ما قاله أبو عبيدة مستدلاً بقوله تعالى على لسان عاد قوم هود عليه وعلى نبينا وأنبياء الله صلوات الله وسلامه : { هذا عارض ممطرنا } ، وبين الرازي أن المقام مقام عذاب ثم بين أبو السعود بأن الإمطار هو الإرسال لهذه الحجارة من سجيل منضود . والملاحظ هنا هو التعبير بالإمطار بدل الإغاثة أو الإرسال .
* * * *
5- قوله تعالى : ( فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ ) الحجر : 74 .
يقول الإمام الألوسي :
قوله سبحانه : { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا } أي على المدائن أو شذاذ أهلها { حِجَارَةً مّن سِجّيلٍ } وكان ذلك زيادة في تفظيع حالهم أو قطعاً لشأفتهم واستئصالاً لهم [14].
الملاحظ في هذه الآية أنه قال ( أمطرنا عليها )– أي قرى قوم لوط عليه السلام ، وفي الآية السابقة أمطرنا عليهم ) أي قوم لوط عليه السلام وهذا يدل على أن هذا الإمطار لزيادة عذابهم وللقضاء عليهم واستئصالهم حيث جعله مرة على القرى ومرة على القوم أنفسهم .
* * * *
6- قوله تعالى وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا )الفرقان:40.
يقول الزمخشري :
ومطر السوء : الحجارة [15].
وقال ابن عطية :
و { مطر السوء } حجارة السجيل [16].
وقال الرازي :
و ( مطر السوء ) الحجارة [17].
وقال أبو السعود :
أي أُهلكت بالحجارة وهي قُرى قومِ لوطٍ وكانت خمسَ قُرى ما نجتْ منها إلاَّ واحدةٌ كان أهلُها لا يعملون العملَ الخبيثَ وأمَّا البواقي فأهلكها الله تعالى بالحجارةِ وهي المرادةُ بقوله تعالى : { مَطَرَ السوء } [18].
قلت : ما زال الكلام عن تعذيب قوم لوط بمطر السوء وهو الحجارة من السجيل وذكر المطر ولم يذكر غيره بديلاً عنه ليدل على أن التعبير به في جانب العذاب
* * * *
7- قوله تعالى : ( وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ )
الشعراء : 173- 174.
يقول الإمام الزمخشري :
وأمّا الإمطار : فعن قتادة : أمطر الله على شذاذ القوم حجارة من السماء فأهلكم . وعن ابن زيد : لم يرض بالائتفاك حتى أتبعه مطراً من حجارة [19].
ويقول الإمام أبي السعود :
{ ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخرين } أهلكناهم أشدَّ إهلاكٍ وأفظَعه .
{ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَرًا } أي مطراً غيرَ معهودٍ قيل : أمطر الله تعالى على شُذّاذ القوم حجارةً فأهلكتهم { فَسَاء مَطَرُ المنذرين } اللام فيه للجنسِ وبه يتسنَّى وقوعُ المضاف إليه فاعلَ ساءَ والمخصوص بالذمِّ محذوفٌ وهو مطرهم [20].
قلت : نلاحظ من خلال قوله تعالى : ( فساء مطر المنذَرين ) أن المطر بيّن نوعه هل هو الغيث أم غير الغيث مما يدل على أنه إن كانت هناك قرينة تأتي مع لفظ المطر في مكان ما لتميزه هل هو غيث أو ماء أم هل هو للعذاب بدليل قوله
( فساء ) و ( المنذَرين ) .
* * * *
8- قوله تعالى : ( فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ ، وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ ) النمل : 57-58 .
يقول الإمام أبي السعود :
{ فأنجيناه وَأَهْلَهُ إِلاَّ امرأته قدرناها } أي قدرنَا أنَّها { مِنَ الغابرين } أي الباقينَ في العذابِ .
{ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَرًا } غيرَ معهودٍ { فَسَاء مَطَرُ المنذرين } قد مرَّ بيانُ كيفيةِ ما جَرى عليهم من العذابِ غيرَ مرَّةٍ [21].
ويقول الإمام الألوسي :
{ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَرًا } غير معهود { فَسَاء مَطَرُ المنذرين } أي فبئس مطر المنذرين مطرهم [22].
* * * *
9- قوله تعالى : ( فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ
رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ) الأحقاف : 24
قال الإمام الرازي :
وقوله { مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ } قال المفسرون كانت عاد قد حبس عنهم المطر أياماً فساق الله إليهم سحابة سوداء فخرجت عليهم من وادٍ يقال له المغيث { فَلَمَّا رَأَوْهُ مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ } استبشروا و { قَالُواْ هذا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا } والمعنى ممطر إيانا ، قيل كان هود قاعداً في قومه فجاء سحاب مكثر فقالوا { هذا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا } فقال : { بَلْ هُوَ مَا استعجلتم بِهِ } من العذاب ثم بيّن ماهيته فقال : { رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } [23].
وقال الإمام أبي السعود :
{ مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ } ي متوجِّه أوديتِهم . والإضافةُ فيه لفظيةٌ كما في قولِه تعالى { قَالُواْ هذا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا } ولذلكَ وَقَعا وصفينِ للنكرةِ { بَلْ هُوَ } أي قالَ هُودٌ وقد قُرِىءَ كذلكَ ، وقُرِىءَ قُلْ ، وهُو ردٌّ عليهم ، أيْ ليسِ الأمرُ كذلكَ بلْ هُو { مَا استعجلتم بِهِ } من العذابِ { رِيحٌ } بدلٌ منْ ما أو خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ . { فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } صفةٌ لريحٌ [24].
في حين يقول الإمام ابن عاشور :
وقولهم : { هذا عارض ممطرنا } يشير إلى أنهم كانوا في حاجة إلى المطر . وورد في سورة هود ( 52 ) قول هود لهم : { ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يُرسِل السماء عليكم مدراراً } وضمير رأوه } عائد إلى { ما تعَدِنا }
[ الأحقاف : 22 ] ، وهو العذاب .
وقولهم : { هذا عارض ممطرنا } بقوله : { بل هو ما استعجلتم به ريح } . و { مستقبل أوديتهم } نعت لـ { عارضاً } .
والعارض في قولهم : { هذا عارض ممطرنا } : السحاب العظيم الذي يعرض في الأفق كالجبل ، و { ممطرنا } نعت لـ { عارض } [25].
يظهر من خلال أقول المفسرين أن كلمة المطر هنا أريد بها المطر المعهود وهو هنا في الذي يكون للخير والخصب بدليل مجيء حرف الإضراب ( بل ) يبطل الحكم الذي سبقه ويأتي بحكم أخر خلافه ومن هنا يقول صاحب الجنى الداني في حروف المعاني :
بل : حرف إضراب. وله حالان: الأول: أن تقع بعده جملة.
والثاني: أن يقع بعده مفرد.
فإن وقع بعده جملة كان إضراباً عما قبلها، إما على جهة الإبطال، نحو ( أم يقولون: به جنة. بل جاءهم بالحق ) المؤمنون: 70 ، وإما على جهة الترك للانتقال، من غير إبطال، نحو ( ولدينا كتاب ينطق بالحق، وهم لا يظلمون. بل قلوبهم في غمرة ) المؤمنون : 62 ، 63[26].
قلـت : مجيء جملة بعد حرف الإضراب ( بل ) يدل على أنه أريد به إبطال الحكم الذي سبقه وهو اعتقاد قوم هود بأن المطر العارض قد أتاهم غيثاً وليس عذاباً ، وأن الحكم على الكلام الذي جاء بعد الحرف ( بل ) جاء ليبين أن هذا المطر ليس للخصب بل للعذاب . ومن هنا فإن كلمة ( ممطرنا ) جاءت كمثيلاتها في القرآن الكريم للعذاب من حيث لا يعلم قوم هود عليه السلام رغم أنهم عبروا بها عن جانب الخير .
خلاصة البحث والتحري في كلمة مطر :
أنها لا تجيء في القرآن الكريم إلا بمعنى النقمة والعذاب .
يقول أبو عثمان الجاحظ – رحمه الله - :
وكذلك ذِكر المطر ؛ لأنّك لا تجد القرآنَ يلفظِ به إلاّ في موضع الانتقام، والعامّة وأكثرُ الخاصّة لا يَفصِلون
بين ذِكر المطر وبين ذكر الغَيث [27].
ويقول أبو هلال العسكري :
والمطـر: قد يكون نافعا وقد يكون ضارا في وقته، وفي غير وقته [28].
النتائج :
1- أن الغَوْثُ يقالُ في النُّصْرَةِ والغَيْثُ في المطَر .
2- أن الغيث: المطر الذي يغيث من الجدب.وكان نافعا في وقته.
3- وأن المطر: قد يكون نافعا وقد يكون ضارا في وقته، وفي غير وقته .
4- أن كلمة ( غيث ) لا ترد في القرآن إلا بقصد النعمة والخير والإحسان سواء كان معناها يفيد الغوث أم كان معناها يفيد الغيث الذي هو المطر أم بالمعنيين معاً باستثناء ما جاء على غير بابه لغرض بياني .
5- أن المطر : لا تجد القرآنَ يلفظِ به إلاّ في موضع الانـتقام، والعامّة وأكثرُ الخاصّة لا يَفصِلون بين ذِكر المطر وبين ذكر الغَيث .
6- أن المسلمين قد أجمعوا أن الغيث رحمة من الله تعالى.
7- أن المطر قد يكون للغيث أم لغيره مما يدل على أنه إن كانت هناك قرينة تأتي مع لفظ المطر في مكان ما لتميزه هل هو غيث أو ماء أم هل هو للعذاب .
8- أن القرآن إذا أراد أن يذكر الغيث الذي هو المطر فإنه يذكر باسم الماء لا المطر .