بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
/
طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم حول الكعبة وهو في جوار المطعم بن عدي ،
وقد رفضته مكة بأشرافها وساداتها، ورفضته الطائف بعظمائها وزعمائها،
رفضته الأرض فاستقبلته السماء وتلقاه الملأ الأعلى، رفضه الناس فاستقبله
ربه تبارك وتعالى، وكل يوم يمر عليه يكون فيه أحسن وأفضل وأعز وأكرم
وأجل من اليوم السابق، يزداد كل يوم عن سابقه رفعة ومكانة ودرجة وعلواً
وشأناً، حتى إن بعض المفسرين فسر قوله تعالى: ((وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى)) ،
قال الشيخ ابن سعدي : أي يومك أحسن من أمسك، وغدك أحسن من يومك.
وهكذا كلما أتى عليه يوم؛ كان أحسن وأرفع منزلة، بدأ صلى الله عليه وسلم
بحالة شريفة طيبة طاهرة، وانتهى بحال أرفع ومآل أفضل، ومنزلة أعظم ،
وحادثة الإسراء حادثة جليلة عظيمة، قال الله سبحانه :
((سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى))،
بدأ الله السورة بـ (سبحان) وهي تأتي للتعجب من عظمة هذا الفعل،
وعظمة هذا الخلق، وعظمة هذا الحدث، والله عز وجل بين عظمة هذه الرحلة،
فلم يسمع بمثلها من قبل، فهي رحلة من الفناء إلى البقاء، من الأرض إلى السماء،
من الطين إلى رب العالمين؛ (سبحان الذي أسرى) ذكر سبحانه أسرى ولم يقل :
ذهب أو ارتحل؛ لأنه كان في الليل، واختير الليل؛ لأنه أخفى للحدث،
ولأن فيه النفحات، وفيه البركات، وأحسن العبادة: القيام في الليل،
وذكر الليل أخفى للسير، وأحفظ للحدث من أعين الحساد، حتى يقول بعضهم:
قلت لليل هل بجوفك سر عامر بالحديث والأسرار
قال لم ألق في حياتي حديثاً كحديث الأحباب في الأسحار
وقال سبحانه: (بعبده) ولم يقل: برسوله، ولا بنبيه؛ لأنه مقام تشريف وتعظيم،
شرفه الله بالعبودية، ولقد ذكر صلى الله عليه وسلم بالعبودية في مقامات ثلاثة:
1) في مقام إنزال الوحي، قال سبحانه وتعالى:
((تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا)).
2) في مقام التبليغ، قال سبحانه وتعالى: ((وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ الله يَدْعُوهُ)).
3) في مقام الإسراء، قال سبحانه وتعالى: ((سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ)).
فهو صلى الله عليه وسلم عبد من عباد الله، وهو أعبد من عبد الله،
وهو أخلص العباد لربه، وأعرفهم بما تقتضيه مراتب العبودية،
وكان من تواضعه صلى الله عليه وسلم جلوسه كما يجلس العبد،
وأكله كما يأكل العبد، وكان لا يرضى أن يرفعه أحد فوق منزلته
التي أنزله الله إياها، وكان يقول:
(لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم،
فإنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله) (1) .
فمقام العبودية لله أعظم المقامات، وأرقى المقامات أن يكون الإنسان عبداً لله عز وجل،
فأي تعظيم وتشريف يضاهي هذا التعظيم وهذا التشريف؟
ومن لا يعبد الله؛ يعبد غيره لا محالة، وليس هناك حالة ثالثة: إما عبد لله،
وإما عبد للطاغوت وللشيطان وللهوى ولكل شيء سوى الله.
/