بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
مقدمات هامة:
1 – رمضان دورة مكثفة للصائم على السنة:
أيها الإخوة الكرام، دروس رمضان متعلقة برمضان، ورمضان شهر الصيام وهو ثاني أكبر عبادة في الإسلام، إنه دورة مكثفة لثلاثين يوماً لعل الله سبحانه وتعالى يغفر لنا ما كان قبل رمضان.
ولكن لا بد من التنويه إلى أن الذي يصوم رمضان كما قال عليه الصلاة والسلام: يُغفر له ما تقدم من ذنبه، فقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح:
(( من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ))
[ متفق عليه ]
2 – مغفرة الذنوب في رمضان ما كان بين الله والعبد حصرا:
ولكن لئلا نقع في الوهم، والحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح، لئلا نقع في الوهم، الذنوب التي تغفر في رمضان، وتغفر في الحج، وتغفر عقب التوبة النصوح ما كان بينك وبين الله، حصراً، لكن ما كان بينك وبين الخلق هذه الذنوب لا تغفر إلا بالأداء أو المسامحة، لذلك قال تعالى:
﴿يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ ﴾
( سورة الأحقاف الآية: 31 )
مِن للتبعيض، يعني ما كان بين العبد وربه يغفر في رمضان، وما كان بين العبد وأخيه الإنسان لا يغفر ولو كنت شهيداً.
(( يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين ))
[ أخرجه أحمد في مسنده وصحيح مسلم عن ابن عمرو ]
3 – حقوق العباد مبنية على المشاححة، وحقوق الله مبنية على المسامحة:
حقوق العباد مبنية على المشاححة، بينما حقوق الله مبنية على المسامحة، والفرق كبير، فلئلا يطمع الإنسان الذي عليه دين قديم، أو عليه ذمة، أو عليه واجب تجاه أحد أقاربه يأتي رمضان، والله يغفر الذنوب جميعاً، الذنوب التي بينك وبين الله حصراً تغفر في رمضان، وما كان بينك وبين العباد لا يغفر إلا بالأداء أو بالمسامحة.
لذلك يقول عليه الصلاة والسلام:
(( ذنب لا يغفر ـ وهو الشرك بالله ـ وذنب لا يترك ـ وهو ما كان بينك وبين العباد ـ وذنب يغفر ـ ما كان بينك وبين الله ـ ))
[ أخرجه الطبراني عن سلمان ]
إذاً:
(( من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه ))
[ أخرجه أحمد في مسنده وصحيح البخاري والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة ]
فيما كان بينك وبين الله.
(( من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ))
فيما بينك وبين الله.
(( من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ))
فيما ما كان بينك وبين الله، لكن ما بينك وبين العباد هو ذنب لا يترك، لذلك دخل النبي الكريم بيتَ أحد أصحابه، وقد توافه الله، وكان صحابياً جليلاً، فقبل أن يصلي عليه سأل:
(( أعليه دين ؟ قالوا: نعم، قال: صلوا على صاحبكم، ولم بصلِ عليه، إلى أن قال أحدهم: عليّ دينه يا رسول الله، فصلى عليه، في اليوم التالي سأل هذا الذي تعهد الدين: أأديت الدين ؟ قال: لا، سأله في اليوم الثالث: أأديت الدين ؟ قال: لا، سأله في اليوم الرابع: أأديت الدين ؟ قال: نعم، قال: الآن بردت عليه جلده ))
[أحمد عن جابر ]
وهمٌ مريح لا أساس له من الصحة الشرعية:
إخوتي الكرام، عوام المسلمين يتوهمون أن الذي يصوم رمضان تغفر له كل ذنوبه، تغفر له كل ذنوبه إذا كانت بينه وبين الله، أما التي كانت بينه وبين العباد فلا بد من أن تؤدى، لذلك قال تعالى:
﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ (8) ﴾
( سورة الزلزلة )
وقد جاء أعرابي إلى النبي عليه الصلاة والسلام، قال: يا رسول الله، عظني ولا تُطل، فقال عليه الصلاة والسلام: قل آمنت بالله ثم استقم، قال هذا الأعرابي: أريد أخف من ذلك ـ ثقيلة هذه ـ قال: إذاً فاستعد للبلاء ـ وهذا كلام دقيق ـ إن لم تستقم فاستعد للبلاء.
(( ما من عثرة، ولا اختلاج عرق، ولا خدش عود إلا بما قدمت أيديكم، وما يغفر الله أكثر ))
[ أخرجه ابن العساكر عن البراء ]
وجاء أعرابي آخر، قال: يا رسول الله عظني، ولا تُطل، تلا عليه قوله تعالى:
﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه ﴾
قال هذا الأعرابي: لقد كُفيت، يكفيني ذلك، فقال عليه الصلاة والسلام: فقه الرجل، معنى فقه ؛ أصبح فقيهاً.
بين العبادات الشعائرية والعيادات التعاملية:
1 – لا تصح العبادات الشعائرية إلا بصحة العبادات التعاملية:
أيها الإخوة الكرام، العبرة أن تكون مقبولاً عند الله عز وجل، لذلك نحن في عبادة شعائرية، الصوم، والصلاة عبادة شعائرية، والحج عبادة شعائرية، والعبادات الشعائرية لا تصح ولا تقبل إلا إذا صحت العبادات التعاملية، والدليل:
أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل أصحابه:
(( أَتَدْرُونَ مَنْ المُفْلِسُ ؟ قالُوا: المُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ الله من لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ، قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: المُفْلِسُ مِنْ أَمّتِي مَنْ يَأتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةِ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَد شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فيقعُدُ فَيَقْتَصّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْتَصّ عَلَيْهِ مِنَ الْخَطَايَا أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ، فَطُرِحَ عَلَيْهِ، ثُمّ طُرِحَ في النّارِ ))
[ مسلم عن أبي هريرة ]
من المفلس ؟ الذي يصلي ولا يستقيم.
(( ويؤتى برجال يوم القيامة، لهم أعمال كجبال تهامة، يجعلها الله هباءً منثورا، قيل: يا رسول الله جَلِّهم لنا، قال: إنهم يصلون كما تصلون، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها ))
[ سنن ابن ماجه عن ثوبان ]
إذاً:
(( الصلاة عماد الدين ))
[ أخرجه البيهقي في شعب الإيمان عن عمر ]
بشرط أن تستقيم.
﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ﴾
( سورة فصلت الآية: 30 )
﴿وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾
( سورة النساء الآية: 57 )
نريد مسلما مثل هذا الراعي !!!
ابن سيدنا عمر امتحن راعياً، قال له: بعني هذه الشاة، وخذ ثمنها، قال: ليست لي، قال: قل لصاحبها: ماتت، أو أكلها الذئب، قال: والله إنني لأشد الحاجة إلى ثمنها، ولو قلت لصاحبها: ماتت، أو أكلها الذئب لصدقني، فإني عنده صادق أمين، ولكن أين الله ؟ هذا الراعي على ضعف ثقافته وضع يده على جوهر الدين.
أحاديث نبوية مبيِّنة لأثر المعاملات بالعبادات:
الحديث الأول:
(( إن فلانة، فذكر من كثرة صلاتها، وصدقتها، وصيامها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال: هي في النار ))
[رواه أحمد والبزار عن أبي هريرة ]
الحديث الثاني:
(( دخلت امرأة النار في هرة ربطتها، فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض، حتى ماتت ))
[ متفق عليه عن ابن عمر]
إذاً: العبادات الشعائرية ومنها الصلاة لا تصح، ولا تقبل إلا إذا صحت العبادات التعاملية، لأن:
الحديث الثالث:
(( ترك دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد حجة الإسلام ))
الحديث الرابع:
(( من لم يكن له ورع يحجزه عن معصية اللّه إذا خلا بها لم يعبأ اللّه بسائر عمله شيئاً ))
[ رواه الديلمي عن أنس ]
الحديث الخامس:
(( وركعتان من رجل ورع أفضل من ألف ركعة من مخلط ))
[ أخرجه الشيرازي و البيهقي، عن أنس ]
يعني خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً.
قصة من واقع الناس:
لذلك مرة إمام في لندن نُقل إلى ظاهر لندن، اضطر أن يركب مركبة كل يوم مع السائق نفسه، فمرة صعد المركبة، وأعطى السائق ورقة نقدية كبيرة، رد له التتمة، عَدّها، فإذا هي تزيد عشرين بنساً على ما يستحق، فقال هذا الإمام في نفسه: سأردّ هذه الزيادة للسائق، لكن بعد أن جلس جاءه خاطر شيطاني، قال: إنها شركة عملاقة، المواصلات، وإن دخلها فلكي، والمبلغ يسير جداً، وأنا في أمسّ الحاجة إليه، فلا عليّ أن آخذه، لكن الذي حصل أنه قبل أن ينزل دون أن يشعر مد يده إلى جيبه، وأعطى السائق العشرين بنسا، فابتسم السائق، وقال له: ألست إمام هذا المسجد ؟ قال: بلى، قال: والله حدثت نفسي قبل يومين أن أزورك في المسجد لأتعبد الله عندك، ولكنني أردت أن أمتحنك قبل أن آتي إليك، فوقع الإمام مغشياً عليه لهول الصدمة، لأنه تصور عظم الجريمة التي كاد يقترفها لو لم يدفع للسائق هذا المبلغ، فلما صحا من غفوته قال: يا رب، كدت أبيع الإسلام كله بعشرين بنساً.
أهمية الورع في تربية النفس:
لماذا كان الصحابة الكرام الواحد منهم بألف ؟ والآن الألف بأف، الواحد بألف والألف بأف، لأنهم كانوا ورعين، لأنهم كانوا وقافين عند حدود الله.
لذلك الصلاة هكذا، ما لم تكن ورعاً لا يمكن أن تنعقد الصلة مع الله عز وجل.
﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)﴾
( سورة المؤمنون )
والصلاة كما وصفها الله عز وجل:
﴿وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45)﴾
( سورة البقرة )
الخاشع هو الذي أطاع الله عز وجل فخشع قلبه له، الآن الصيام:
(( من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ))
[ أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة ]
الحكمة من الصيام:
ما حكمة ربنا من الصيام ؟
1 – الحكمة الأولى:
أن نشعر بافتقارنا إلى الله، مُنعَ منا الطعام والشراب، وهما مباحان خارج الصيام، فأنت حينما تجوع، وحينما يصيبك العطش تعرف أنك عبد لله، وأنك مفتقر إلى شربة ماء، وكلما أدركت افتقارك إلى الله كلما ارتقيت عند الله.
وما لي سوى فقري إليك وسيلة فبالافتقاري إليك فقري أدفع
وما لي سوى قرع لبابك حـيلة فـإذا رددت فأي باب أقرع
***
أولاً: يعودنا الافتقار إلى الله.
الحكمة الثانية:
يقنعنا الصيام أننا مخلصون لله، لأنه ما من قانون على وجه الأرض يحاسبك لو أكلت في نهار رمضان، هذا الأمر اختص به الدين، أما القوانين فلا تحاسبك على إفطار رمضان، فقد تدخل بيتك، وأنت في أشد حالات العطش والثلاجة فيها الماء البارد، والبيت فارغ، ليس أحد يراقبك، ولا تستطيع أن تضع في فمك قطرة ماء، إذاً:
(( كل عمل ابن آدم له، إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به ))
[ متفق عليه ]
الصوم عبادة الإخلاص.
الحكمة الثالثة:
شيء آخر، الصوم يقوي الإرادة، فأنت في رمضان ممتنع عن المباح، فلأن تدع الحرام من باب أولى.
يختل توازنك حينما تمتنع عن الطعام والشراب وتكذب !
يختل توازن حينما تمتنع عن الطعام والشراب وتملأ عينيك من محاسن امرأة لا تحل لك !
يختل توازنك حينما تمتنع عن الطعام والشراب وتحلف يميناً كاذبة في البيع والشراء !
فلذلك منعك الله عن المباح، فلأن أن تمتنع عن المحرمات من باب أولى، وكأن الله أراد أن يقوي إرادتك وعزيمتك في هذا الشهر الكريم.
الحكمة الرابعة:
شيء آخر، الله عز وجل أرادنا أن نعيش واقع الفقراء، الواقع إما أن تعيشه، وإما أن تدركه بعقلك، فرق كبير بين إدراك الحقيقة وبين أن تعيشها، فلو أن لك صديقاً نشب بينه وبين زوجته خلاف، وانصرفت إلى بيت أهلها، أنت عندك فكرة أن صديقك زوجته ابتعدت عنه، لكن أنت عندك زوجتك في البيت، والطعام جاهز، والأولاد وضعهم جيد، طعامهم جيد، ثيابهم مغسولة، الحاجات مقضية، البيت نظيف، أنت لا تعيش واقع الحرمان من الزوجة، ولكنك تدرك أن فلاناً زوجته تركته، فالواقع شيء والمعاينة شيء آخر، لذلك قالوا:
لا يعرف الشوق إلا من يكابده ولا الصبابة إلا من يعانيها
***
فالله سبحانه وتعالى في رمضان أرادنا أن نعاني مشكلة الفقير، نحن في الإفطار نأكل ونشرب، لا نشعر بقيمة الماء البارد، ولا بقيمة الطعام الساخن، نأكل ونشرب، لكن هذا الفقير لا تجد عنده ما يأكله.
والله حدثني صديق دخل على إحدى قريباته، أقسم بالله فتح الثلاجة ليس فيها شيء، وليس عندهم كسرة خبز يأكلونها، فأنت حينما تجوع يجب أن تتذكر أن هناك من لا يجدون ما يأكلون.
مرة وقفت امرأة عند بائع دجاج، طلبت له أرجل الدجاج، هذه تعطى للكلاب من شدة الفقر تشتري هذه الأرجل، وتطبخها، صار مع المرق طعم لحم فقط.
من محاسن رمضان: شهر الإنفاق:
لذلك أيها الإخوة، رمضان شهر الإنفاق، رمضان شهر البر، رمضان شهر الإحسان، رمضان شهر الصدقة، رمضان شهر الزكاة، بل إن صيام رمضان لا يرفع إلى الواحد الديان إلا إذا أديت زكاة الفطر، والإمام الشافعي يرجح أن تؤدى زكاة الفطر بدءاً من أول رمضان، لأن زكاة الفطر طعمة للفقير، وتكفير للذنب، لذلك أراد الله في رمضان أن يذوق كل إنسان طعم الإنفاق، ولو كنت فقيراً، أي أنه تجب زكاة الفطر على من يجد قوت يومه، الذي عنده وجبت طعام واحد تجب عليه زكاة الفطر من أجل أن يذوق الفقير مرة في كل عام طعم الإنفاق، إنفاق الطعام.
أيها الإخوة، صيام رمضان معلق بين السماء والأرض، ولا يرفع إلا بزكاة الفطر.
أمثلة عن ارتباط العبادات التعاملية بالعلاقات الشرعية:
أيها الإخوة، العبادات الشعائرية، ومنها الصيام، لا تصح، ولا تقبل إلا إذا صحت العبادات التعاملية، إذاً:
1 ـ الصوم وقول الزور:
(( من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ))
(( كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش ))
[أخرجه النسائي وابن ماجه من حديث أبي هريرة ]
لذلك صيام العوام ترك الطعام والشراب، وصيام المؤمنين ترك المعاصي والآثام وصيام الأتقياء ترك ما سوى الله.
(( كل عمل ابن آدم له، إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به ))
[ متفق عليه عن أبي هريرة ]
2 ـ الحج والمال الحرام:
لو انتقلنا إلى الحج:
(( من حج بمال حرام، ووضع رجله في الركاب، وقال: لبيك اللهم لبيك ينادى أن لا لبيك ولا سعديك وحجك مردود عليك ))
[ ورد في الأثر ]
إذاً: لا الصلاة، ولا الصيام، ولا الحج تقبل أو تصح إذا لم يراعي الإنسان العبادات التعاملية، المؤمن صادق لا يكذب، والمؤمن أمين لا يخون، والمؤمن عفيف لا يقع في الفاحشة، فمن أجل أن تكون مؤمناً صادقاً كان الصيام، قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) ﴾
( سورة البقرة )
التقوى:
والتقوى هي طاعة الله بمفهومها الواسع، ولكن أنت حينما تصطلح مع الله وحينما تتوب إلى الله، وحينما تعمل الصالحات تقبل على الله في صلاتك، ما هي ثمار هذه الصلاة ؟ ثمار هذه الصلاة أن الله سبحانه وتعالى يلقي في قلبك نوراً يريك الحق حقاً والباطل باطلاً.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ﴾
( سورة الحديد الآية: 28 )
هذا النور ترى به الحق حقاً والباطل باطلاً هذا النور هو التقوى.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
والتقوى كما قال الإمام الغزال رحمه الله تعالى: " نور يقذفه الله في القلب "، ترى به الخير خيراً والشر شراً، هؤلاء الذين يرتكبون المعاصي والآثام ماذا رأوا قبل أن يقدموا على هذه المعاصي ؟ رأوها مغانم رأوها متعة، لذلك أي إنسان يعصي الله يرى رؤية خاطئة، يملك عمى، قال تعالى:
﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً (125) قَالَ كَذَلِكَ﴾
( سورة طه )
يعني كذلك في الدنيا كنت أعمى، لأنها:
﴿لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي﴾
﴿الصُّدُورِ (46)﴾
( سورة الحج )
فأنت لمجرد أن تنقطع عن الله تفقد النور، فترى الخير شراً، والشر خيراً ترى الإنفاق حمقاً، والبخل عقلاً، ترى انتهاز المتعة ذكاء، والبعد عنها غباء.
لذلك من أجل أن ترى الحق حقاً، والباطل باطلاً نصوم هذا الشهر.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
﴿أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ﴾
( سورة البقرة الآية: 184 )
الصلاة مطهِّرة من الأدران:
أيها الإخوة، شيء آخر، أن الإنسان في الصلاة يطهر من أدرانه، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
(( الصلاة نور ))
[ رواه مسلم عن أبي مالك الأشعري ]
العبادات مؤداها واحد: الاتصال بالله:
ويجب أن نعلم أن الصلاة من أجل الاتصال بالله، وأن الصيام من أجل الاتصال بالله، وأن الحج من أجل الاتصال بالله، وأن الزكاة من أجل الاتصال بالله، وأن الصدق والأمانة، والعفة، والطاعة من أجل الاتصال بالله، فالاتصال بالله هو الهدف الأول والأوحد لكل العبادات الشعائرية.
1 ـ معاني العبادات في الصلاة:
لذلك في الصلاة معاني الصيام، أنت في الصلاة تدع الطعام، وتدع الحركة، وتدع الكلام، وهذا أبلغ من الصيام، ومعنى الصيام في الصلاة، ومعنى الحج في الصلاة، أنت في الصلاة تتوجه إلى بيت الله الحرام، ومعنى الزكاة في الصلاة، لأن الوقت أصل في كسب المال، أنت في الصلاة تقتطع من وقتك جزءًا كي تؤدي هذه العبادة، لذلك الصلاة هي الفرض الواحد والوحيد المتكرر الذي لا يسقط بحال، الصيام يسقط عن المسافر والمريض، والحج يسقط عن المريض والفقير، والزكاة تسقط عن الفقير، والنطق بالشهادة مرة واحدة في العمر، أما الفرض الوحيد المتكرر الذي لا يسقط بحال هو فرض الصلاة، لذلك:
(( الصلاة عماد الدين فمن أقامها فقد أقام الدين ومن هدمها فقد هدم الدين ))
[ رواه الطبراني عن معاذ ]
2 ـ الصلاة طهور:
ولا خير في دين لا صلاة فيه، والصلاة طهور تطهر النفس من الحقد، من المكر، من الكبر، من الاستعلاء، من الأثرة، من الأنانية، الصلاة طهور، والصلاة نور كما قلت قبل قليل، نور ترى بنور الله عز وجل الذي يقذف في قلبك في الصلاة ترى الحق حقاً والباطل باطلاً، والصلاة حبور.
(( أرحنا بها يا بلال ))
[ رواه مسدد، عن عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد ]
3 ـ الصلاة قربٌ:
والصلاة قرب من الله:
﴿وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19) ﴾
( سورة العلق )
4 ـ الصلاة دعاء:
والصلاة فضل عن أنها قرب، وفضلاً عن أنها حبور، وعن أنها طهور، وعن أنها نور، الصلاة دعاء، وذكر لله عز وجل.
﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ﴾
﴿الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ﴾
( سورة العنكبوت الآية: 45 )
مِن معاني: وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ
المعنى الأول:
يعني أن ذكر الله أكبر ما فيها، لذلك قال بعض العلماء والمفسرين:
﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾
ما فيها.
المعنى الثاني:
وهناك معنى آخر، ذكر الله لك في الصلاة أكبر من ذكرك له، بمعنى أنك إذا ذكرته أديت واجب العبودية، لكنه إذا ذكرك وفقك، إذا ذكرك أسبغ عليك نعمه ظاهرة وباطنة، أنه إذا ذكرك وفقك، أنه إذا ذكرك ألهمك رشدك، أنه إذا ذكرك أعطاك الحكمة، أنه إذا ذكرك أعطاك السكينة، أعطاك الطمأنينة، أعطاك الأمن، فلذلك:
﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾
5 ـ الصلاة مناجاة:
أيها الإخوة الكرام، وفضلاً عن أن الصلاة طهور، ونور، وحبور، وأنها مناجاة، من يعلم المصلي من يناجي لافتتن، مناجاة.
6 ـ الصلاة معراج المؤمن:
وأنها عروج إلى الله عز وجل والصلاة معراج المؤمن، وأن الصلاة دعاء وذكر، وأن الصلاة قرب.
﴿ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ﴾
(( ليس كل مصل يصلي، إنما أتقبل صلاة ممن تواضع لعظمتي، وكف شهواته عن محارمي، ولم يصر على معصيتي، وأطعم الجائع، وكسا العريان، ورحم المصاب وآوى الغريب كل ذلك لي، وعزتي وجلالي إن نور وجهه لأضوء عندي من نور الشمس على أن أجعل الجهالة له حلما، والظلمة نورا يدعوني فألبيه، ويسألني فأعطيه، ويقسم علي فأبره، أكلأه بقربي، وأستحفظه ملائكتي، مثله عندي كمثل الفردوس لا يتسنى ثمرها ولا يتغير حالها.))
[ أخرجه الديلمي عن حارثة بن وهب ]
إذاً: أيها الإخوة:
(( الصلاة عماد الدين، فمن أقامها فقد أقام الدين، ومن هدمها فقد هدم الدين ))
ولا خير في دين لا صلاة له، والصيام من أجل الصلاة، أنت في نهار رمضان تدع الطعام والشراب، وفي ليل رمضان تأخذ الجائزة من الواحد الديان، من خلال صلاة التراويح.
(( من قام رمضان ـ أي صلى التراويح ـ غفر له ما تقدم من ذنبه ))
دعوة إلى الاجتهاد واغتنام شهر رمضان:
إذاً: نحن في شهر الطاعة، نحن في شهر القرب، نحن في شهر الإنفاق، نحن في شهر القرآن، لأن القرآن أُنزل في رمضان، نحن في شهر القرب من الله عز وجل وكأن الله سبحانه وتعالى سمح لك في هذا الشهر الكريم أن تفتح معه صفحة جديدة، وأن يغفر لك ما كان منك قبل رمضان هو مناسبة، لذلك:
(( للصّائِمِ فَرْحَتانِ: فرْحَةٌ حِينَ يُفْطِرُ، وفَرْحَةٌ حِينَ يَلْقى رَبّه ))
[ متفق عليه عن أبي هريرةَ ]
يعني فرحته يوم يفطر مضى شهر وقد صامه، وقامه، وغض بصره، وقرأ القرآن، وصلى الفجر في المسجد، والعشاء في المسجد، وصلى التراويح، ووصل رحمه وأنفق ماله في سبيل الله.
بالمناسبة، أيها الإخوة، لعلنا في الدرس القادم إن شاء الله نتحدث عن الزكاة والزكاة مناسبتها في رمضان.