لمحاسبة النفس فوائد متعدّدة نذكر منها ما يلي:
1- الإطلاع على عيوب النفس ونقائصها ومثالبها، ومن ثمّ إعطاؤها مكانتها الحقيقية إن جنحت إلى الكبر والتغطرس.
ولا شك أن معرفة العبد لقدر نفسه يورثه تذلّلًا لله فلا يُدِلّ بعمله مهما عظم، ولا يحتقر ذنبه مهما صغر.
قال أبو الدرداء: (لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت الناس في جنب الله، ثم يرجع إلى نفسه فيكون أشدّ لها مقتًا) [الزهد: للإمام أحمد، ص196].
وقال ميمون بن مهران: (لا يكون العبد من المتقين حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة الشريك لشريكه).
وقال محمد بن واسع: (لو كان للذنوب ريح ما قدر أحد أن يجالسني).
2- أن يتعرّف على حق الله تعالى عليه وعظيم فضله ومنّه؛ وذلك عندما يقارن نعمة الله عليه وتفريطه في جنب الله، فيكون ذلك رادعًا له عن فعل كل مشين وقبيح؛ وعند ذلك يعلم أن النجاة لا تحصل إلا بعفو الله ومغفرته ورحمته، ويتيقّن أنه من حقّه سبحانه أن يطاع فلا يعصى، وأن يُذكر فلا يُنسى، وأن يُشكر فلا يُكفر.
وفي هذا يروى أن نبي الله موسى عليه السلام مر برجل يدعو ويتضرع فقال: يا رب ارحمه، فإني قد رحمته فأوحى الله تعالى إليه: لو دعاني حتى ينقطع قواه ما أستجيب له حتى ينظر في حقي عليه.
(فمن أنفع ما للقلب النظر في حق الله على العباد، فإن ذلك يورثه مقت نفسه، والإزراء عليها ويخلصه من العجب ورؤية العمل، ويفتح له باب الخضوع والذل والانكسار بين يدي ربه واليأس من نفسه وأن النجاة لا تحصل له، إلا بعفو الله ومغفرته ورحمته) [إغاثة اللهفان: 1/ 88].
3- تزكية النفس وتطهيرها وإصلاحها وإلزامها أمْر الله تعالى، قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} [الشمس: 9- 10].
وقال مالك بن دينار: (رحم الله عبدًا قال لنفسه: ألستِ صاحبة كذا؟ ألستِ صاحبة كذا؟ ثم ذمّها، ثم خطمها، ثم ألزمها كتاب الله عز وجل فكان لها قائدًا) [إغاثة اللهفان: 1/ 79].
4- أنها تربّي عند الإنسان الضمير داخل النفس، وتنمّي في الذات الشعور المسؤولية ووزن الأعمال والتصرّفات بميزان دقيق هو ميزان الشرع.
حكى الغزالي في (الإحياء) أنّ أبا بكر رضي الله عنه قال لعائشة رضي الله عنها عند الموت: (ما أحدٌ من الناس أحبّ إليّ من عمر) ثم قال لها: (كيف قلتُ؟) فأعادت عليه ما قال، فقال: (ما أحدٌ أعزّ عليّ من عمر)!! يقول الغزالي: (فانظر كيف نظر بعد الفراغ من الكلمة فتدبّرها وأبدلها بكلمة غيرها) [إحياء علوم الدين: 4/ 587].
ولنستمع إلى هذه الكلمات الجميلة لأبي حامد الغزالي في (الإحياء) وهو يصف أرباب القلوب المنيبة وذوي البصائر الحيّة فيقول: (فَعَرف أربابُ البصائر من جملة العباد أنّ الله تعالى لهم بالمرصاد، وأنهم سيناقشون في الحساب ويُطالبون بمثاقيل الذرّ من الخطرات واللحظات، وتحقّقوا أنه لا ينجيهم من هذه الأخطاء إلا لزوم المحاسبة وصدقُ المراقبة ومطالبةُ النّفْس في الأنفاس والحركات، ومحاسبتُها في الخطرات واللحظات.
فمن حاسب نفسه قبل أن يحاسب خفّ في القيامة حسابُه، وحَضَرَ عند السؤال جوابُه، وحسُن منقلبُه ومآبُه. ومن لم يحاسب نفسَه دامت حسراتُه، وطالت في عرصات القيامة وقفاتُه، وقادته إلى الخزي والمقت سيئاتُه). [الإحياء: ص118].