اخى القارئ الكريم ..
ان كنت لاتعرف ماهى العشوائيات حقاً ..فلا تقرأ هذه القصة ..لأنها عن ...
ناس ..آخرون ..
*************
مرحبا بكم ..أترون على البعد هذه العشش المتراصة والتى تبدو اسطحها كمقلب قمامة كبير ؟؟؟
اننى واسرتى نعيش فى احداها ، ولا لوم عليكم ان خفتم على سيارتكم حال اقترابها من هناك ..لذلك انصح بأن تكملوا مابقى من مسافة سيرا على الأقدام ..
بهذه الكلمات بدأت حديثى مع اعضاء فريق البحث المنوط بهم كتابة تقرير شامل عن منطقتنا ورفعه الى الجهات الأعلى ، ولقد جاءوا اخيرا بعد مئات الشكاوى التى ارسلناها على مدار سنوات طويلة ، فكنت اليوم على رأس مستقبليهم ومعى بعض نفر من الاهالى ، ولقد كنت المتحدث باسمهم بطبيعة الحال ، ربما لأننى كنت احمل على عاتقى مهمة كتابة الشكاوى وارسالها ، وربما لأننى الوحيد بينهم الحاصل على الشهادة الثانوية ..
اقترب اعضاء الفريق من المكان فزكمت انوفهم رائحة الروث وصم اذانهم نهيق الحمير ونباح الكلاب ، وهم يتلمسون خطواتهم خلفى بين برك مياه الصرف وتلال القمامة .. !
وصلنا الى منطقة العشش ، فتحلق حولنا الرجال والشبان ، وتقافز امامنا الأطفال ، حفاة وشبه عرايا وهم يهتفون بحياة الثورة والثوار ..وبعض النسوة اطلقن الزغاريد من خلف الأبواب الشبه قائمة ..فيما كان بعض العجائز يفترشون الأرض امام العشش...!
سرت الشائعات فى المنطقة كالبرق ، فقد اشاع البعض ان رئيس الحكومة ، والمحافظ ، ومدير الأمن يعاينون المنطقة ، بينما سرت اشاعة اخرى مفادها ان المجلس العسكرى بكامل هيئته يجوب العشش ، فيما اشاع الكثيرون ان وزير المالية بنفسه يوزع الأموال على السكان ، ولقد كان لهذه الاشاعة الأخيرة تأثيرا سلبيا ، فقد دبت المشاجرات بين الكثيرين إثر خلافاتهم على قيمة المبلغ الذى سيحصل عليه كل مواطن .!
وبعمرى لم يكن فريق البحث فى حاجة الى معاينة ، ولا استفسار ، ولا نقاش ، فقد كان ( الحال يغنى عن السؤال ) ..لكنهم رغم ذلك والحق يقال القوا على معظم العشش نظرات ظاهرية سريعة ، لكنها فاحصة وكاشفة فى آن ، وقد اختصوا عشتى ختاما بزيارة قصيرة كنوع من التلطف والتكرمة ..
نعم ..نعم ..هذه عشتى ..تفضلوا بالدخول ..، هكذا قلت مرحباً بهم ..
وقفوا فى منتصفها خافضو الرؤوس تحت سقيفة تكاد تسقط فوقهم ..لم ادعهم للجلوس ، فليس هناك مايصلح لذلك ، اللهم الا بعض الجراكن البلاستيكية المستندة على بعضها البعض مفروشة بكليم قديم ، فبدت اشبه ما تكون بكنبة عرجاء ..بجوارها ( طست ) مقلوب وضعنا فوقه الراديو ..!
خطفت زوجتى ملابسها الداخلية من بين الملابس المعلقة فوق حبل ممدود بين جانبى العشة ، واخفتها خلف ظهرها ، ووقفت ملتصقة بالحائط وحولها اولادنا ، فحملت صغيرهم فوق كتفها ، بينما انشغلت الابنة الوسطى بصنع فطيرة بيتزا من الطين المخلوط بالروث ، وجلست تجملها بالحصى وبقايا زجاج مكسور، بينما الأبن الأكبر يبتسم فى بلاهة ..!
ازداد عدد المتجمهرين بين العشش ، وحظى المدق امام عشتى بالعدد الأكثر منهم ..
وما ان خرج اعضاءالفريق مغادرون ، حتى تبارى الناس على عمومهم فى اطلاق الهتافات ..وغادر الفريق المنطقة فى زفة وداع كبيرة ..كنت على رأسها ..
بعد ايام ذهبت الى الوزارة للمرة الأولى فى حياتى لأعرف ما وصلت اليه تقارير اللجنة ، حيث سُمح لى بالدخول ، ولقد استقبلنى القائم على الملف بحفاوة ومودة ، واطلعنى على التقرير المزمع رفعه الى المنفذين وقد جاء فى نهايته ما يلى :
.......وانه بعد الفحص والمعاينة رأى اعضاء اللجنة ان المنطقة محل البحث هى عشوائيات لا تصلح للسكنى ، وان قاطنيها جميعاً .....( اموات على قيد الحياة ) ...!!!!