قدم خبراء السياسة الخارجية فى مركز "بروكنجز" الأمريكى سلسلة من المذكرات للرئيس باراك أوباما، وهو يستعد رسميا لبداية ولايته الثانية فى البيت الأبيض، وتتناول تلك المذكرات شقين، الأول أطلق عليه الخبراء "الرهانات الكبرى" وقصدوا بها السياسات التى يجب أن يستثمر فيها الرئيس طاقته ووقته ومكانته، والشق الثانى أُطلق عليه "البجع الأسود" وقصدوا به الأحداث ضعيفة الاحتمال لكنها ذات تأثير كبير ويمكن أن تعرقل أولويات الإدارة الأمريكية.
وقالت تمارا كوفمان ويتس مدير مركز سابان للشرق الأوسط، وشادى حميد، مدير الأبحاث بمركز بروكنجز الدوحة، إن انهيار اتفاقية كامب ديفيد للسلام بين مصر وإسرائيل يندرج ضمن قائمة "البجع الأسود".. وأوضحا أن الولايات المتحدة ركزت بحزم على الحفاظ على معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، وفى حين أن الرئيس محمد مرسى أبدى رغبته فى أن ينحى جانبا المعارضة الإيديولوجية للإخوان المسلمين لهذه المعاهدة، وعداء أغلب المصريين لإسرائيل، إلا أن هناك عدة عوامل يمكن أن تقوض استقرار الوضع.
ووجه الخبيران مذكرتهما للرئيس باراك أوباما، وحددا فيها الكيفية التى ينبغى على الولايات المتحدة أن تتواصل بها معها مع الرئيس مرسى للحفاظ على السلام، وما الذى يمكن أن تفعله واشنطن لتحسين الاتصالات بين مصر وإسرائيل، وكيف ينبغى أن تعد الولايات المتحدة لسيناريو تنهار فيه المعاهدة ويكون هناك مواجهة مباشرة.
يقول "كوفمان" و"حميد"، فى مذكرتهما، إنه منذ سقوط الرئيس السابق حسنى مبارك فى فبراير 2011، فإن الولايات المتحدة ركزت على الحفاظ على المعاهدة باعتبارها حجز الزاوية فى الاستقرار الأساسى، ومنصة أساسية لجهود أوسع نطاقا لتحقيق التعايش العربى الإسرائيلى المشترك. وخسارة تلك المعاهدة التى تم توقيعها قبل أكثر من 33 عاما يمكن أن يمثل خسارة استراتيجية عميقة للولايات المتحدة فى الشرق الأوسط.
وأوصى الكاتبان بضرورة اتخاذ خطوات فورية لتعميق تواصل واشنطن مع حكومة مرسى والجيش المصرى، وقوى المعارضة، ودراسة التفاوض على اتفاقيات جديدة بين مصر وإسرائيل للتعامل مع شكاوى كل جانب بشأن الأمن فى سيناء، وتعزيز اتصال أفضل، واتخاذ إجراءات بناء الثقة بين الجيشين المصرى والإسرائيلى، والاستعداد "للتدخل فورا" فى حال اندلاع أزمة.
وتشير المذكرة إلى أن العناصر الإرهابية، وآخرين ممن لهم مصلحة فى خلق أزمة بين مصر وإسرائيل، يمكن أن يحرضوا بسهولة على حادث فى سيناء من شأنه أن يشعل فرص مواجهة مباشرة بين الجيشين المصرى والإسرائيلى.
وحتى دون وقوع هذا الحادث، فإن وجود حكومة منتخبة من الإخوان قد يعنى العودة إلى القومية الشعبوية من أجل الإبقاء على تأييد حكمها.. ورغم أن المجتمع الدولى رأى دبلوماسية مرسى فى الصراع الأخير بين إسرائيل وحماس فى غزة باعتباره دليلا على أن حكومة إسلامية تقود مصر يمكن أن تتصرف بشكل مسئول لفرض الاستقرار الإقليمى، إلا أن المعارضين من اليساريين والثوريين هاجموا مرسى لعمله بنفس الأطر التى وضعها مبارك للعلاقة مع إسرائيل.
لكن من المرجح أن يستخدم مرسى العداء لأمريكا وإسرائيل بشكل أكبر فى السنوات القادمة لمهاجمة الإخوان المسلمين توددا للرأى العام، تماما مثلما فعل الإخوان مع مبارك.
فضلا عن ذلك، فإن الإجراءات التى سيتم اتخاذها لإرساء الاستقرار فى الاقتصاد المصرى ستزيد من آلام المصريين، بما يجعل السياسات الشعبوية، ولا سيما المغامرة فى الخارج، وسيلة مغرية لإلهاء الرأى العام عن حكومة يزداد تراجع شعبيتها، وكذلك فإن استمرار الفشل فى معالجة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية يمكن أن يثير مزيدًا من العنف بين حماس وإسرائيل، أو انهيار السلطة الفلسطينية بما يزيد من مشاعر العداء لإسرائيل فى مصر.
وحذرت المذكرة من أن استخدام مرسى للعداء تجاه إسرائيل، بتعزيز موقفه فى الداخل، سيعنى إقناع المسئولين الإسرائيليين أن أسوأ مخاوفهم عن الربيع العربى قد تحققت، وأى خطوة مصرية لتقويض المعاهدة سينظر إليها ضمنيا باعتبارها انخفاضا حادا فى قدرات الردع الإسرائيلية سينتج عنه على الأرجح رد حاد.
وحددت مذكرة "بروكنجز" خطوات دعت الإدارة الأمريكية لاتخاذها الآن للحد من فرص التحريض الإرهابى، أو الخطوات الشعبية التى يمكن أن تتخذها القيادة فى مصر لتنهى الاتفاقية.
الخطوة الأولى تتمثل فى تعزيز التعاون والتنسيق الأمنى الأمريكى مع حكومة مرسى، وبذلك، وحتى فى حالة تنامى العداء لإسرائيل داخل مصر أو وقوع حدث إرهابى فى سيناء، فإن مرسى والإخوان سيشعرون بأن لديهم مصلحة حيوية فى عدم إزعاج العلاقة مع تل أبيب.
الخطوة الثانية تتمثل فى استمرار وتعزيز التواصل بين الجيشين الأمريكى والمصرى، وأيضا مع كل الأطراف السياسية فى مصر، فى الإطار الذى يجب أن يعزز من خلاله المسئولون الأمريكيون فوائد السلام مع إسرائيل لاستقرار مصر وتعافى اقتصادها.
ودعا "حميد" و"كوفمان" السفارة الأمريكية فى القاهرة إلى ضرورة توازن علاقتها مع مرسى مع مزيد من التواصل السياسى، والضغوط المستمرة على حكومة الإخوان، لتعزيز ديمقراطية شاملة.
الخطوة الثالثة تشمل دراسة تسوية مؤقتة جديدة بين مصر وإسرائيل لتعزيز استمرار المعاهدة، فإسرائيل ليست راضية عن الاتصالات الثنائية المحدودة بشأن سيناء وغزة، ومصر بدورها غير راضية عن القيود التى تفرضها المعاهدة على قواتها فى سيناء، وهذه القيود ربما لم تعد تلبى احتياجات الجانبين فى حالة وجود تهديد بإرهاب ونشاط غير مشروع.
وأكد الكاتبان أن وجود اتفاق منقح يقنن بالفعل الحقائق المتغيرة على أرض الواقع، ويضيف المزيد من تبادل المعلومات بين البلدين، يمكن أن يخفف الضغوط المحتملة على الاتفاقية فى السياسة المصرية، ويحقق أفضل المصالح للبلدين.
أما الخطوة الأخيرة، فتتحدد فى الضغط الأمريكى لزيادة الاتصال بين الجيشين المصرى والإسرائيلى، وأيضا تعزيز دور قوات المراقبة الدولية متعددة الجنسية فى سيناء.
لكن فى حالة اندلاع أزمة كبيرة، أو حدوث توتر يشعل احتمال حدوث قتال عبر الحدود، فيجب أن تكون الإدارة الأمريكية مستعدة للعمل سريعا على ردع الجانبين عن المواجهة المباشرة، أو وضع نهاية سريعة. وبما أن الجيش المصرى لن يسعى على الأرجح إلى حرب مع تفوق القوات الإسرائيلية، وفقا لما يقوله الكاتبان، فإنه قد يرحب بتدخل أمريكى. ويمكن أن يشمل هذا التدخل فصلاً فوريًا للقوات، ومراقبتها من جانب القوات متعددة الجنسيات.
ويحذر التقرير من أن تعلن واشنطن عن دعم سريع لإسرائيل، لأنه فى ظل قيادة القومية المتطرفة للمواقف المصرية، فإن هذا فى حد ذاته لن يكون رادعا عن التصعيد.
كما دعت الإدارة إلى منع العناصر الإرهابية فى سيناء أو غزة من الاستفادة من أزمة إطلاق الصواريخ التى تخترق حدود إسرائيل، وهو ما يتطلب التركيز على أولوية مواجهة التهديد الإرهابى من جانب مصر وإسرائيل.
وأخيرًا يجب أن تمنع واشنطن تأثير التدهور بين مصر وإسرائيل من أن يكون له عواقب وخيمة على المنطقة، وبذلك يجب أن تنخرط أمريكا سريعا مع الدول العربية، وخاصة الخليجية، لتجنب أى تأييد للإجراءات التى يمكن اتخاذها ضد معاهدة السلام.