( معاناة رجل مهم )
اللقطة الاولى :
بعد ان أصبح عاجزا في العثور على ذاته ..
وقف
أمام المرآة ، وهو يتمعن مليا في صورته ، معتقدا في ذلك بأنه قادر على
أكتشاف نفسه.. لكنه ظل مبهورا وهو يرى بأن خطوط الطول والعرض قد تشابكت على
قسمات وجهه ، ومن على جبهته سقطت نقطة الأفق .
اللقطة الثانية:
تحت قبة بناية الحكماء ، أخذ في الصراخ قائلا :
ــ تلك أعباء سخيفة لا يجدر بالدولة تحملها .
حدث
هذا حين أقترح أحدهم باكساء تلاميذ المدارس كسوة شتوية ، ولكي يرفه عن
نفسه قليلا أمضى ليلته في سهرة حمراء .عندما استيقظ كان يشعر بأن ثمة شيئا
يجثم على صدره ، وبأنه يرغب في فعل شيئا ما .. ركب سيارته وانطلق مسرعا ..
في الشارع الاول دهس حمامة .. وفي الشارع الثاني دهس قطة .. وفي الثالث دهس
أمراة عجوز .
بدء يشعر بدبيب سعادة تسري في تجويف صدره ، كان بحاجة الى المزيد ، كي تكتمل فرحته ،
كان
أمله كبيرا في أن يجد شيئا عند الشارع الآخر ، وحين وصل اليه لم يجد ما
كان يتمنى ، توقف سريعا ، وأخذ يجهش بالبكاء مرددا: ـــ ألهي متى أرتاح ؟ .
( الفراشة )
فرح
الابناء وهم يرون فراشة بيضاء تحلق فوق نعش والدهم الذي غص بالورود من كل
جوانبه ، هكذا فجاة في المقبرة الجرداء حدث هذا ، عندها توقف المشيعون عن
البكاء وظلت عيونهم شاخصة نحو هذا الحدث الفريد والعجيب ، وتوقف كذلك الابن
الاكبر من ملامسة جيبه ، الذي كان يتاكد بين الحين والاخر من أن مفاتيح
خزنة والدهم ما تزال فيه .
كانت معجزة ، في نظر الجميع ، أن يحدث هذا ..
فقد كان الابناء على قناعة تامة بان كل ما يقوم به الاخرون من مظاهر الحزن
والبكاء ما هو الا كذب وتملق ، فالجميع كانوا يدركون تماما حقيقة والدهم (
الرجل المهم) والذي كان مؤمنا في حياته بالمبدأ القائل ( الغاية تبرر
الوسيلة ) .
كان الابناء يتمنون في دواخلهم أن يحصل والدهم على معاملة
حسنة في العالم الآخر ، وعسى أن يسعفه حظه بذلك ، لذا كان ظهور الفراشة
البيضاء بالنسبة اليهم بشارة خير ، وطوق نجاة من شماتة الاعداء .
ـــ أنظروا ها هو والدي أصبح فراشة بيضاء أنظروا اليها كيف ترقص فرحا .
قال الابن الاكبر ذلك وهو يضع يده على جيبه .
قال البعض وهم في حالة ذهول : ــ نعم .. نعم ! .
وقال البعض : ـــ روحه طاهرة ، فقد خدم الناس طوال حياته .
كانت
الفراشة تحاول جاهدة الابتعاد عن النعش ، لكنها كانت تدور في حلقة مفرغة ،
فقد وقعت اسيرة الغثيان لانها لامست للتو زهورا محنطة .
( أنفجار )
دخل المعلم الصف وهو فرح باللقاء المتجدد مع أبنائه التلاميذ ، قال لهم :
ــ ما رايكم أن نلعب قليلا ؟ .
بصوت واحد قالوا له فرحين :ــ نعم يا أستاذ .
ــ ليقول كل منكم أول كلمة تبرق في ذهنه .
قال أحدهم ( سوق ) .. قال آلاخر ( مقهى ) .. قال سالم ( انفجار ) .
امتعض المعلم قائلا : ــ ما هذا يا سالم .. ما هذا يا سالم ؟ .
في اليوم التالي كرر المعلم اللعبة ذاتها ..
قال احدهم ( مدرسة ) .. قال آلاخر ( مستشفى ) .. قال سالم وهو حزين ( أنفجار ) .
قال المعلم غاضبا : ــ أسكت يا سالم ، أسكت ، أنك تفسد اللعبة .
في اليوم آلاخر ، وحين دخل المعلم الصف ، لم يجد سالم ، قال لهم مستغربا :
ــ أين سالم يا أعزائي ؟ .
قال أحدهم : ــ سالم لم يعد سالما .
قال آلاخر : ــ سالم مات في انفجار الامس .
انبهر المعلم ، وظل يردد مع نفسه : ــ انفجار .. أنفجار .. أنفجـ ... .
( تفخيخ )
بعد ان انهى تفخيخ العربة ، أسرع الى ولده كي يداعبه .
شم الطفل فيه رائحة كريهة فأشاح عنه .
( الكرسي )
بعد أن انهى الاجتماع ، غادر الجميع الا هو ..
فقد ظل جالسا على ( كرسيه ) منتشيا بحضنه الدافىء .
رن جهاز ( الموبايل ) .. نظر اليه بانزعاج كبير ..
ــ نعم .
قالها بعصبية بعد أن فتح الخط .
كان آلاخر يتكلم بصوت مرتجف : ــ سيدي الانفجار كان كبيرا ، ولقد سقط الكثير من .. .
ـــ طيب .. طيب .. عندي الان أجتماع مهم .. أراك فيما بعد .
أغلق جهاز ( الموبايل ) ، ليعود مرة أخرى الى نشوته السابقة .