أنفُس بَآهِتةٌ تَتعلقُ بِأمل !
...~
قَصرٌ
كبِيرٌ جِداً ، تَصميمُه كَلآسيكِي بَحت وَ لِأبعد آلحِدُود ، لَآ عَجب
فَهُو قَصر آلسَيِّدة رِين ، آلتِي تَبلغُ مِن آلعمرِ أربعةُ عقودٍ ،
آلسيِّدة رين آلأرملةُ ذَآت آلشَعر آلبُنِيّ آلمُحمر آلقَصِير ، فَقدت
زَوجهَآ إدوَآرد ، وَ آبنتهَآ آن ، تَعيشُ وَحيدةً ، تتعلقُ بِأملٍ وَآحِد ،
آلأمِل آلذِي كآن زَوجهَآ يجِري وَرآئهُ وَ آنعكسَ عليهِ وَ على آبنتِهمَآ
!
لَم
تتخَلَّى عَن حُلمهَآ بَأن تَحظى عَآئلة هَوآرثآي ، بِآلسُلطَة ، وَ لكن
بَعد أن آستَطآع آلمَلك ، رَدع زَوجِهَآ ، تَأججت فِي نَفسِهَآ نَآرُ
آلإنتِقآم !
كآنت
رِين قَد جَآءت مِن عِند آلطَبيب ، تَرتدِي فُستَآنَاً أنيقاً أسوداً ،
فَتحت بَآب آلقصر ، رَأت آلدَهآلِيز آلذِي قَد صممهُ زَوجُهَا عَلى ذَوقِه
آلخَآص ، وَ لكن لَم تَحس بِمشَآعر حُزنٍ أو بُكآء !
صَعدت
آلسُلم ، دَخلت غُرفةً ضَيِّقة تَتنآثرُ فِيهآ قِطعُ آلغِيآرِ وَ آلتُحفُ
آلقَديمةُ وَ بعض آلصورِ وَ أشيَآءُ أخرى ، لَم تَكن غُرفةً مُرتبةً أبداً ،
وَ لكن منظرُهَآ آلعشوآئي هُو مَآ يجعلُ رِين تَطمئنُ وَ تفِشي مَآ
بِقلبِهآ وَ تطلقُ سَرآحَ دمُوعِهَآ ... !
...~
أميرةٌ
تَرتدِي فستَآنَاً أخضَراً وَ تركضُ مسرعةً تُسَآبقُ آلريآح ، تَلتَفت
وَهي رآكضة ، وَ ترى مَآ خَلفَهآ فَيصطدمُ شَعرُهآ آلبنيُّ آلطَويل
بِوجههَآ ، لَآ تَرى شَخصاً وَرآئهَآ ، وَ لكن مَآ تحسُ بِه يُكذَّبُ
بَصرهَآ ، تَتعثرُ بِحصآةٍ صَغيرة فَتَبدأ بِآلوقوعِ عَلى وجهِهآ فَإذَآ
بِه ذَآكَ آلشَآب يركضُ مُسرعَاً ، وَ يمسكُ بِيديهَآ ، فَيقعُ هُو عَلى
رأسهِ وَ تقعُ هِي بِصدرهِ ، تُحَآولُ آلنهُوض ، فَتلتقِي أعينُهمَآ ،
تَقطعُ آلأميرةُ هَآيدي تِلكَ آلثَوآنِ آلقَصيرة وَ هي تُحَآولُ آلنهوض : "
شُكراً " وَ تبتَسم ، تَحآول آلذهَآب ، يُوقفُهَآ ألفرِيد : " ألَن
تُسَآعديني ؟ " ، نَظرت ورآئهَآ وَ هِي مَآشية ، هَمست : " ألفرِيد ؟ "
آلتفت إلتفآفَة كَآمِلة ، وَ آصبحت آلريَآح تُدآعبُ شَعرهَآ وَ آلدمُوع
تُغَآزلُ عَينيهَآ آلعَسليتيين ، رَكضت حَتى وَصلت لِألفِريد آلذِي كَآن
يضحَكُ مِن مَنظر هَآيدِي ، وَ بَدأت آلدمُوع تُدآعبُ جفنيهِ أيضَاً !
قَآلت
هَآيدِي فِي قَلق : " أنَآ أسِفة ، كَآنَ يجبُ عَليَّ مسَآعدَتُك ! "
ثُمَّ قَآمت بِمسَآعدتِه حَتي ينهض ، فَآبتسمَ لَهآ وَ قَآل : " أميرتِي
هَآيدِي ، أنَآ مَن كنتُ يتبعُك ، فَعلتُ هَذآ لَأنَّ أبَآكِ قَد طلبَ ذلك "
حَدَّقت هَآيدِي فِيه قليلاً ، ثُمَّ ضَحكَت ضحكةً مَكتُومة ، وَ قآلت : "
أنت تَكذب ! ، أستطيعُ أنْ أرَى آلتَوترَ فِي عينيك ! " تَنهدت ، وَ أردفت
: " لمَ لَآ تَقول آلحَقيقة ! ، فَقد تَعرفتُ عَليك ! " ، ثُمَّ آرتمت فِي
حضنِه وَ هَمست : " يَآ صَديقِي ألفرِيد ! " ، آحمرَّ ألفريد خَجَلاً وَ
كذلكَ هَآيدِي ، آلتي ، نَزعت نَفسهَآ مِن حضنهِ وَ ركضَت ، هَآربةً ، نَحو
قَصِرِ أبيهَآ .
كَآن
ألفرِيد مَدهوشَاً ، وَ لآيزَآلُ عِطرُهَآ يُدغدِغ أنفهُ ، آستوعبَ أخيراً
، أنَّ هَآيدِي قَد ذهَبت وَ تركتَهُ ، صَرخَ وَ هو يمسكُ شَعرهُ
آلمُبعثَر : " تَباً ! " وَ أصبحَ يُفكِر ، إن لَم يَلحق بِهَآ سَتكونُ فِي
خَطرٍ مُحدِق !
وَصلت
هَآيدِي لِمكآنٍ بَعيد وَ طَمأنت نَفسَهآ بِأنَّهَآ كَآن يجبُ أن تَفعَل
ذَلك ، حَتِى لَآ يكونَ ألفِريد فِي خَطر ، وَ هَمسَت : " سَآمحنِي " !
...~
بَكت
آلسَيِّدة رَين قَليلاً ، ثُمَّ ذَهبت للغرفة آلمُجَآوِرة ، جَلست عَلى
آلكرسيِّ وَ بدأت تَعزفُ مَعزوفةً لِمُوزآر ، كآنت أصَآبُعَهَآ تتحركُ
بِخفةٍ بَآلغِةٍ وَ جسَدُهَآ يتَمآيلُ مَع آلمعزوفة ، وَ عندمَآ أنهَتهَآ ،
سَمعت وَقع أقدَآمٍ يَصحبُه تَصفيقٌ سَآخِر ، وَ صوتٌ أنثَويٌّ : " أحسنتِ
، أحسنتِ ! " صُعِقَت آلسيِّدة رَين لِسمآعِ مثِل هَذآ آلصوت ! وَ
لكنَّهَآ آبتسمت إبتسآمةً خَبيثةً أيضَاً ! ، آدَّعت آلسَيِّدَة رَين
آلبَرآءة ، حَيثُ قَآلت : " مَآذآ تُريدينَ يَآ هَآيدي ؟ " ، آقترَبت
مِنهَآ هَآيدي ، حَدقَّت فِي عَينيهَآ بِإشمئزَآز ، وَ قَآلت وَ لآ تَزآلُ
آلنَظرة آلمشمئزةُ تُلآمسُ حدَقتيهَآ : " مآذآ تُريدينَ أيتُّهَآ آلأمِيرة ،
فَكمآ تَعلمين ، أبِي هُو مَلكك ! ، وَ لَآ تتصنعِي آلبرآءة ! ، أينَ أخِي
؟ " ، رَدت آلسَيِّدة رَين سَريعَاً : " أينَ آبنَتِي ؟ "
صَمتت
هَآيدِي ، أنزَلت عَينيهَآ وَ بَدأت تَبحثُ عَن مِرأة ، وَصلت إليهَآ ،
بَدأت تتَكلم فِي هِدوءٍ تَآم : " سَيدة هَوآرثَآي ، آبنَتُكِ لَم يقتلُهَآ
أبِي ! ، مَن قَتلَهَآ هُو زَوجُكِ ، هُو مَن أخذهَآ مَعهُ لِمُلآقَآةِ
أبِي " صمتت قَليلاً : " مَآذآ كنتِ تُريدينَ أن يفعَلَهُ أبِي ؟ ، أن يقفَ
بينمَآ يقتلُهُ زَوجِكِ آلسَّفَآح ! " ثُمَّ بَدأت فِي آلإنفِعَآل : "
كونِي مَنطقيَّةً قليلاً ! ، وَ آبنتُكِ مَآتت لَأن زَوجَكِ قَد شَهرَ
سَيفهُ وَ قتلهَآ قبلَ أن يُقتَل ! " آلتفتت نَحوهَآ " وَ آلآن ، أينَ أخِي
؟ " .
...~
"
سَيدي هِربرَت ، ألَّآ تَثقُ بِآبنتِك ؟ " كَآن هَذآ صَوتُ آلوَآزنُوس *
ذِي آلدِرع آلفِضِيِّ ، جَميعُ آلفَتَيآتِ يَتمنيِّنَ آلزَوآجَ مِنهُ ،
فَهُو ذُو شَعرٍ بُنيٍّ نَآعم ، وَ عينَين خَضرَوآيين جَميلتين
رَدَّ
آلملك هِربرَت آلذِي قَد بَدأت آلكثيرُ مِن آلخُصيلآت آلبيضآءُ تَغزُو
شَعرهُ آلأسود آلكَثِيف : " لَيست آلمسَألة ثِقة أو لَآ ، وَ لكنَّهُ قلقُ
آلأبِّ عَلى آبنتِهِ آلمُدللة ! " يَبتسمُ لَه آلوآزنُوس أدولُف : " إذَن ،
لَمَ لَمْ تَجعلنِي أنل شَرف حِرآسةِ آبنتِك " لم يُجبُهُ آلمَلك ، وِ
إنَّمآ آكتفَى بِإبتِسآمةٍ شَفآفة .
...~
*
آلوآزنُوس : هُو مُحَآرِب ، وَ وزير للملك ، يَكونُ شَآباً ، يستشِيرَهُ
آلملك ، وَ يَقُود آلجيش ، وَ يتغير كل عَشرة أعَوآم ، وَ إذَآ أثبتَ
جَدآرتَهُ عِندمَآ يُعفَى مِن آلمنصِب ، يكونُ لَديهِ حَقُّ آلعَيش فِي
آلقَصِر آلمَلكي ، وَ يستشيرهُ آلملك إضَآفةً إلِي آلوآزنُوس آلجَديد .
...~
أصبحَ
يركضُ سَريعَاً يتجَآوزُ كثِيراً مِن آلنآس وَ يرتطمُ بِأجسَآمِ آلعَديد ،
وَ لكنَّهُ يكتَفِي بِآعتِذآرٍ مَكبُوت ، أخِيراً وصَل عَندَ آلقَصِرِ
قَصرُ آلسيِّدة رَين ، تَوقفَ قليلاً أصبحَ
يلهث
وَ يمسكُ بِركبتيهِ ، مُخفضَاً رأسَهُ ، رَفعَ رأسهُ قَليلاً ، نَظرَ إلَى
آلقَصر وَ قآلَ ألفرِيد فِي نَفسِه أرجُوكِ لَآ تَكونِي هُنَآ ! "
آستمرَّ
ألفِريد بِآلركض ، حَتى وصلَ مدخَل آلقَصرِ وَ رأى حَرسهُ مُلقَونَ
بِجَآنِب آلبَآب ، رَفع رِجلهُ آليُمنَى فَوقَ جَسدِ آلحَآرس ، ثُمَّ بَدأ
يركُض وَ يُنَآدِي : " هَآيدي ! ، هَآيدي ! "
سَمعتهُ
هَآيدي ، وَ آرتبكت ، آبتسمت رِين إبتِسَآمة خَبيثةً ، وَ قَآلت : " يبدو
أنَّ وَجبةُ آليوم سَتكونُ دَسِمةً " ، آتجهت هَآيدي نَحوهَآ مُسرعةً ، وَ
قآلت لَهآ وَ هِي قَلِقَة : " أنَآ فَريستك ، هُو ليسَ لَهُ عَلآقة ،
ثَأركُ مَع أبي " ، دَخَل عَليهِم ألَفريد وَ هُو يتَنفس بِسرعة ، آخذ
قَوسه ، مِن كنَآنتهِ وَ ووجههُ نَحو رِين وَ قَآل وَوجههُ تَملؤهُ
آلجَديِّة : " آطلِقي آلأمِيرة هَآيدي ، آلآن وَ فَوراً " ، آجَآبتهُ رِين :
" مُقَآبِل مَآذآ ؟ " ، ضِحكَ ألفِريد ضِحكة إستهزَآء وَ قَآل : " حَيآتِك
! " ، ضِحكت رِين وَ أخرجِت حَجراً أسودَاً هَمست هَآيدِي : " آلبآث ! " ،
تَمتت رِين : " قَصر آلمَلِك " إذَآ بِهَآ تَنتقِل لِقصرِ آلمَلك فِي خفةٍ
تَآمة ، آرتمت هَآيدي فِي حضنِ ألفِريد آلذِي كآن يَنوي آللَحآق بِهَآ لِم
تُرد أن تُفَآرقه أبَداً ، كَآنت خَآئفةٌ عَلى أبِيهَآ وَ عَليهَآ كَآنت
تُريد أن تَذهبَ مَعهُ وَ لكنَّهُ قَبلَّهَآ عَلى جَبينهَآ ، وَ أبعدهَآ
عنهُ وَ آختطفَ آلبَآث مِن يديهَآ ، وَ آنتقَل إلى آلقَصر ، ضَربت هَآيدِي
آلأرض بِرجليِّهَآ ، وَ جلست تَبكي كثَيراً ، وَ لكنَّهَآ لَم تَستسلِم ،
جَعلت تَطُوف عَلى بَيت آلسَيِّدة رَين بَآحثةً عَن بَآث وَ أخِيهَآ ، لَم
تَجد أخُوهَآ ، وَ لآ بَآث نَزلت مِن آلدرج ، وَ جلسِت عَلى آلأرض ، وَ
أصبحَت تُفكر ، مَآ آلذِي قَد تَفعلُه !
...~
أصبحَ
ألفرِيد يَركضُ ورآءَ رَين آلتِي كآنت تَركضُ بِرشَآقةٍ غَريبةٍ عَلى
أمرأةٍ فِي عَقدِهَآ آلرَآبِع ، جَعل ألفرِيد يصرُخَ مُعلنَاً حَآلة
آلطَوآرئ ، وَ رَين أيضَاً ، حيث كآن عشرةٌ مِن أتبَآع آلملك يخرجُون وَ
يتبعهُم عشَرةُ أضعَآفٍ مِن أتبَآعِ رِين !
خَرج
آلوأزنُوس مُسرِعَاً ، كَآن يبتَسِمُ وَ يقولُ فِي نفسِهِ ، لَقد عَلمتُ
أنَّ لَهَآ أتبَآعاً ، هُنَآ ، وَ لكن لَم أتَوقع هَذآ آلعَدد آلكبِير ،
غَمزَ أدولف لِألفرِيد ، آلذِي أصبحَ يُطلقُ أسهمَاً عَشوآئيةً ، قُتِلَ
آلكَثيرُ ، مِن أتبَآعِ آلمَلكِ ، حَتى خَرجَ آلملكُ بِنفسِهِ ، صَرخَ
آلمَلك : " تَوقَفُوآ ! ، حَربُّهَآ مَعِي ، فَإن كَآنت حَقاً تُريد أن
تنتقِم فَلتنتقِم مِني ، فَليسَ للشَعبِ ذنبٌ بِثَأرٍ لَآ أسَآسَ لَهُ ! "
تَنَّهدَ طَويلاً ، صَعدَّ فِي آلسُلم ذَآهبَاً للشُرفةِ آلتِي يُعلنُ
مِنهَآ قَرآرتُهُ ، حَشدَ آلنَآس ، وَ كآنت آلسيِّدة رَين تَبتسِم ! ، قَآل
آلمَلك : " سَأتنَآزلُ عَنِ آلعرش ، لِلسيِّدة رَين ! "
تَفآجأ
آلجَميعُ بَل آنصدمُوآ ، وَ خآصةً هَآيدِي آلتِي كآنت تَركض مُسرعةً ، وَ
يمسكُهَآ أخُوهَآ ، آلذِي قَد فهِم مَآ يرمي إليهُ وَآلدهُ ، وَ تغيرَت
مَلآمحهُ إلى مَلآمحٍ أخُرى ، لَم تَرهآ هَآيدِي فِي وجه تَشآرلز أبدَاً !
...~
وَ
هكذآ تُوجت رِين آلملكة ، وَ حكمت آلبِلآد بِظلمٍ شَديد ، وَ سَجنت كُلاً
مِن آلملك ، وَ حَآشيتُهُ ، وَ قَضت آلمملكةُ سينناً مِن قَحطٍ وَ جَفآف ،
وَ مآتَ آلملكُ فِي آلسجن ، وَ كلُّ مَن كآن مَعهُ ، وَ مآ تبقَّى مِن
حَآشية آلملك هُم : هَآيدي ، ألفرِيد ، أدولف ، تشآرلز
...~
آنتَهى ، وَ مآزآل للقصة إمتدآد
...~