الكلام على حديث ( التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ ) .
روى
ابن ماجة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال : ( التائب من الذنب كمن لا ذنب له )وحسنه الألباني في صحيح ابن
ماجة . أرجو شرح هذا الحديث ؟، وما المقصود بكلمة حديث حسن ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
روى ابن ماجة (4250) والطبراني في " المعجم الكبير " (10281) وأبو نعيم في "
حلية الأولياء " (4/210) والبيهقي في " السنن " (20561) من طريق أبي عبيدة
بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا
ذَنْبَ لَهُ ) ورجاله ثقات ، إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه ، فهو منقطع
، راجع "التهذيب" (5/65) .
لكنه ثابت لما له من الشواهد ، ومن ثَمّ حسنه من حسنه من العلماء ، وصححه من صححه منهم .
قال الحافظ في الفتح (13/471) : " سنده حسن " .
وقال ابن مفلح في "الآداب الشرعية " (1/ 87): رجاله كلهم ثقات " .
وقال السخاوي في " المقاصد الحسنة " (ص249): " رجاله ثقات ، بل حسنه شيخنا يعني لشواهده " .
وحسنه السيوطي في " الجامع الصغير " (3386) ، وكذا الألباني في "صحيح
الجامع" (3008)، وصححه ابن باز في " مجموع الفتاوى " (10/314) .
وله شاهد من حديث عائشة رواه البيهقي (6640) وإسناده ضعيف .
وله شاهد آخر من حديث ابن عباس عند البيهقي في الشعب (6780) وإسناده واه .
وشاهد رابع من حديث أبي سعد الأنصاري عند أبي نعيم في الحلية (13/398) والطبراني في " الكبير " (775) وإسناده ضعيف .
ثانيا :
ورد الحديث في بعض طرقه ببعض الزيادات الضعيفة ، فمن ذلك رواية ( التائب من
الذنب كمن لا ذنب له ، وإذا أحب الله عبدا لم يضره ذنب ) فهذه الزيادة
ضعيفة .
راجع "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة " (615) .
وكذا رواية ( التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، والمستغفر من الذنب وهو مقيم
عليه كالمستهزئ بربه ، ومن آذى مسلما كان عليه من الأثم مثل منابت النخل )
فهذه الزيادة ضعيفة أيضا .
راجع "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة" (616) .
وكذا رواية ( الموت غنيمة ، والمعصية مصيبة ، والفقر راحة ، والغنى عقوبة ،
والعقل هدية من الله ، والجهل ضلالة ، والظلم ندامة ، والطاعة قرة العين ،
والبكاء من خشية الله النجاة من النار ، والضحك هلاك البدن ، والتائب من
الذنب كمن لا ذنب له ). فهذه الزيادة منكرة .
راجع "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة" (6526) .
أما رواية ( الندم توبة ، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له ) فرواية ثابتة .
راجع "صحيح الجامع الصغير" (6803) .
ثالثا :
معنى الحديث : أن العبد إذا أذنب ذنبا ثم تاب منه توبة نصوحا وأقلع عنه
وندم واستغفر ولم يعد إليه تاب الله عليه ، وعامله معاملة من لم يذنب ، بل
وبدل سيئاته حسنات وأحبه وجعله من عباده المتقين ؛ لأنه إنما تاب إلى ربه
وأناب لمحبته لله وحرصه على رضاه وخوفه منه ، وتلك صفات المتقين .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، وإذا زال الذنب زالت عقوباته وموجباته " .
انتهى من "شرح العمدة" (4/39) .
وقال أيضا :
" التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنَبَ لَهُ ، وَحِينَئِذٍ فَقَدَ
دَخَلَ فِيمَنْ يَتَّقِي اللَّهَ فَيَسْتَحِقُّ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُ
فَرَجًا وَمَخْرَجًا ؛ فَإِنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ وَنَبِيُّ الْمَلْحَمَةِ ، فَكُلُّ
مَنْ تَابَ فَلَهُ فَرَجٌ فِي شَرْعِهِ ؛ بِخِلَافِ شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا
فَإِنَّ التَّائِبَ مِنْهُمْ كَانَ يُعَاقَبُ بِعُقُوبَاتِ: كَقَتْلِ
أَنْفُسِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ " انتهى من "مجموع الفتاوى" (33/ 35) .
وقال ابن القيم رحمه الله :
" ثُمَّ إنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ التَّائِبَ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا
ذَنْبَ لَهُ ؛ فَمَنْ لَقِيَهُ تَائِبًا تَوْبَةً نَصُوحًا لَمْ
يُعَذِّبْهُ مِمَّا تَابَ مِنْهُ ، وَهَكَذَا فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا
إذَا تَابَ تَوْبَةً نَصُوحًا قَبْلَ رَفْعِهِ إلَى الْإِمَامِ سَقَطَ
عَنْهُ الْحَدُّ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ ، فَإِذَا رُفِعَ إلَى
الْإِمَامِ لَمْ تُسْقِطْ تَوْبَتُهُ عَنْهُ الْحَدَّ لِئَلَّا يُتَّخَذَ
ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلَى تَعْطِيلِ حُدُودِ اللَّهِ " انتهى من "إعلام
الموقعين" (3/ 115) .
وقال أيضا :
" وَقَدْ ضَمِنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِمَنْ تَابَ مِنَ الشِّرْكِ وَقَتْلِ
النَّفْسِ وَالزِّنَى، أَنَّهُ يُبَدِّلُ سَيِّئَاتِهِ حَسَنَاتٍ ،
وَهَذَا حُكْمٌ عَامٌّ لِكُلِّ تَائِبٍ مِنْ ذَنْبٍ.
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : ( قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى
أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ
الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) الزُّمَر/ 53 .
فَلَا يَخْرُجُ مِنْ هَذَا الْعُمُومِ ذَنْبٌ وَاحِدٌ ، وَلَكِنْ هَذَا فِي
حَقِّ التَّائِبِينَ خَاصَّةً " انتهى من "الجواب الكافي" (ص: 165) .
وقال أيضا :
" فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، وإذا محي أثر الذنب بالتوبة صار
وجوده كعدمه فكأَنه لم يكن " انتهى من "طريق الهجرتين" (ص: 231) .
وقال القاري رحمه الله :
" اعْلَمْ أَنَّ التَّوْبَةَ إِذَا وُجِدَتْ بِشُرُوطِهَا الْمُعْتَبَرَةِ ،
فَلَا شَكَّ فِي قَبُولِهَا وَتَرَتُّبِ الْمَغْفِرَةِ عَلَيْهَا ؛
لِقَوْلِهِ تَعَالَى : ( وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ
عِبَادِهِ ) الشورى/ 25 ، وَلَا يَجُوزُ الْخُلْفُ فِي إِخْبَارِهِ
وَوعْدِهِ " انتهى من "مرقاة المفاتيح" (4/ 1637) .
ثالثا :
ولمعرفة الحديث الحسن وتعريفه ، وأقسامه ، واحتجاج العلماء به انظر السؤال رقم : (
196606) .
وراجع للفائدة إجابة السؤال رقم : (
47748) ، والسؤال رقم (
79163) .
والله أعلم .
موقع الإسلام سؤال وجواب
معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لَا غِرَارَ فِي صَلَاةٍ وَلَا تَسْلِيمٍ )
أرجو أن توضحوا معنى الحديث : ( لا غرار في الصلاة ولا تسليم ) ؟
الجواب :
الحمد لله
روى أبو داود (928) والحاكم (927) والبيهقي (3411) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا غِرَارَ
فِي صَلَاةٍ وَلَا تَسْلِيمٍ ) .
وصححه الألباني في "الصحيحة" (318) .
قال أبو داود عقبه : " قَالَ أَحْمَدُ : يَعْنِي فِيمَا أَرَى أَنْ لَا
تُسَلِّمَ وَلَا يُسَلَّمَ عَلَيْكَ ، وَيُغَرِّرُ الرَّجُلُ بِصَلَاتِهِ
فَيَنْصَرِفُ وَهُوَ فِيهَا شَاكٌّ " .
وروى الإمام أحمد (9622) حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ سُفْيَانَ
قَالَ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ سَأَلْتُ أَبَا عَمْرٍو الشَّيْبَانِيَّ عَنْ
قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا
إِغْرَارَ فِي الصَّلَاةِ ) فَقَالَ : " إِنَّمَا هُوَ لَا غِرَارَ فِي
الصَّلَاةِ ، وَمَعْنَى غِرَارٍ يَقُولُ : لَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَهُوَ
يَظُنُّ أَنَّهُ قَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْءٌ حَتَّى يَكُونَ عَلَى
الْيَقِينِ وَالْكَمَالِ "
وقال الماوردي رحمه الله :
" معناه : لا نقصان فيها ، وهو إذا بنى على اليقين فقد أزال النقصان منها " انتهى من "الحاوى" (2 /488) .
وقال الخطابي رحمه الله :
" أصل الغرار نقصان لبن الناقة ، يقال غارت الناقة غراراً ، فهي مُغارّ :
إذا نقص لبنها، فمعنى قوله : لا غرار ، أي : لا نقصان في التسليم ، ومعناه :
أن ترد كما يسلم عليك وافيا لا نقص فيه ، مثل أن يقال السلام عليكم ورحمة
الله ، فيقول عليكم السلام ورحمة الله ، ولا يقتصر على أن يقول السلام
عليكم ، أو عليكم حسب .
وأما
الغرار في الصلاة فهو على وجهين : أحدهما أن لا يتم ركوعه وسجوده ، والآخر
، أن يشك هل صلى ثلاثا أو أربعا ، فيأخذ بالأكثر ويترك اليقين وينصرف
بالشك ، وقد جاءت السنة في رواية أبي سعيد الخدري أنه يطرح الشك ويبني على
اليقين ويصلي ركعة رابعة حتى يعلم أنه قد أكملها أربعا " انتهى من "معالم
السنن" (1/219- 220) .
وقال النووي رحمه الله :
" وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ : لَا غِرَارَ فِي الصَّلَاةِ ،
بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى
تَفْسِيرِ أَحْمَدَ ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ لَا غِرَارَ فِي
تَسْلِيمٍ وَلَا صَلَاةٍ ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ تَفْسِيرَ الْخَطَّابِيِّ ،
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : وَالْأَخْبَارُ السَّابِقَةُ تُبِيحُ السَّلَامَ
عَلَى الْمُصَلِّي وَالرَّدَّ بِالْإِشَارَةِ وَهِيَ أَوْلَى
بِالِاتِّبَاعِ " انتهى من "المجموع شرح المهذب" (4/ 104) .
وقال ابن الأثير رحمه الله :
" الغِرَارُ : النُّقصان ، وغِرَار النَّوم : قِلَّتُه .، ويُريد بغِرَار
الصَّلاة : نُقْصانَ هَيْآتها وأركانِها . وغرَارُ التَّسليم : أن يقول
المُجِيبُ : وعَلَيْك ، ولا يقول : السَّلام . وقيل : أراد بالغرار :
النَّوْم ؛ أي ليْسَ في الصلاة نوم ، و" التسليم " يُرْوَى بالنَّصْب
والجِرّ فَمَنْ جَرَّه كان معطُوفا على الصلاة كما تقدم ، ومن نصب كان
معطوفا على الغِرَار ويكون المعنى : لا نَقْصَ ولا تَسْليمَ في صلاة ، لأن
الكلام في الصلاة بَغْير كلامها لا يجوز " انتهى من "النهاية" (3 /661) .
فيتلخص
لنا من كلام أهل العلم المتقدم أن قوله صلى الله عليه وسلم ( لا غرار في
صلاة ) معناه : لا يخرج منها وهو شاك فيها ، بل يخرج وهو متيقن من تمامها ،
فإن شك في النقصان ، بنى على الأقل حتى يستيقن أنه لا نقص في صلاته ، وقد
روى مسلم (571) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي
صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا
فَلْيَطْرَحْ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ ثُمَّ يَسْجُدُ
سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ ، فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا
شَفَعْنَ لَهُ صَلَاتَهُ وَإِنْ كَانَ صَلَّى إِتْمَامًا لِأَرْبَعٍ
كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ ) .
ومن الغرار فيها أن ينقص من ركوعها وسجودها وطمأنينتها ؛ لأن ذلك نقص فيها ، فعليه أن يطمئن فيها ويتم ركوعها وسجودها .
وبالجملة : عليه أن يأتي بصلاته على التمام بدون نقص بأي وجه من الوجوه .
وأما
قوله : ( ولا تسليم ) فيُرْوَى بالنَّصْب والجِرّ ، فَمَنْ جَرَّه كان
معطُوفا على الصلاة ، ويكون المعنى : لا نقص في السلام ؛ بل يوفي التحية
حقها في الرد ، فإذا سلم عليه أخوه المسلم رد بأحسن مما سلم أو بمثله .
ومن نصبه كان معطوفا على الغِرَار ، ويكون المعنى : لا نَقْصَ ولا تَسْليمَ
في صلاة ، فلا يسلم المصلى على أحد ولا يسلم عليه أحد ؛ لئلا يشغله في
صلاته ، فإن سلم عليه أحد رد بالإشارة ، ولعل الوجه الأول أولى .
راجع جواب السؤال رقم : (114225) .
والله تعالى أعلم .