قوة وعزة .. ولكن
كأن الله I يريد أن يعلم عمرَ طريق الدعوة من أول يوم ولد فيه حين أسلم، فكان أن ضُرب عمر وأُهين، وكذلك كان حال كل من حمل همّ الدعوة إلى الله تعالى.. "أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ، أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ".
ومع أن عمر ضُرب من أول يوم إلا أن هذا كان رد فعل استثنائي نتيجة المفاجأة بإسلامه، وكان إسلام حمزة وإسلام عمر بعد ذلك دفعًا كبيرًا للدعوة الإسلامية، فقد كانت مكة تهاب عمر وتخشاه، يؤكد هذا كلام صهيب الرومي حين يقول: لما أسلم عمر ظهر الإسلام، ودُعِي إليه علانية، وجلسنا حول البيت حلقًا، وطفنا بالبيت، وانتصفنا ممن غلظ علينا، ورددنا عليه بعض ما يأتي به.
ويقول أيضًا عبد الله بن مسعود : "ما زلنا أعِزَّة منذ أسلم عمر".
ومع أن حال المسلمين كان قد تحسن، وأصبح المسلمون يُظهرون عبادتهم وشرائعهم في مكة، إلا أن الرسول لم يعلن الحرب على قريش، لم يبدأ في مواجهة عنترية مع صور الباطل في مكة، كانت الأصنام ما زالت منتشرة في مكة، بل في الكعبة، وما زالت رايات العاهرات الحمر مرفوعة، وما زالت الخمور تسقى، وما زال المشركون يعبدون إلهًا غير الله، إلا أنه ما زال القتال لم يُفرض بعد على المسلمين، وإن في هذا لرسالة واضحة لجمعٍ من الشباب ممن يتحمسون للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن طريق القوة والعنف وحمل السلاح، معتقدين أنهم في زمن تمكين وسيادة، ومتجاهلين أن الرسول نفسه لم يقم بمثل هذا في فترة مكة. إن الجرأة من شباب المسلمين على المشركين في ذلك الوقت لا تُعدّ شجاعة، ولا تعد جهادًا، وإنما تعد تهورًا وتسرعًا وجهلاً بفقه المرحلة.
لقد ثقلت كفة المسلمين كثيرًا بإسلام حمزة وعمر رضي الله عنهما، ولكن اتخذ ذلك بحساب، وهي رسالة إلى كل المتحمسين من الشباب، فقد تكون الظروف مشابهة لظروف مكة، وفوق ذلك قد تكون بغير حمزة وبغير عمر، ومع ذلك قد يحدث منهم تهوُّر واندفاع، وإنها لرسالة: قد تخسر الدعوات كثيرًا من حماسة في غير موضعها، تمامًا كما تخسر من رَوِيَّة في غير مكانها.