"هم لا يدركون ما يفعلون.. أنهم يجرون البلاد إلى الفوضى".. بهذه العبارة
لخص مصدر مقرب من وزير العدل المستقيل أحمد مكى رؤيته للمشهد فى مصر، حال
نجاح حزب الحرية والعدالة الحاكم وحلفائه فى تمرير قانون السلطة القضائية،
على حد قوله.
المصدر، الذى طلب عدم نشر اسمه لحساسية منصبه، قال "أقل الأخطار التى
سيحدثها هذا القانون، أنه سيجعل إجراء انتخابات مجلس النواب المتوقعة الصيف
المقبل مستحيلا، لأنهم لن يجدوا قضاة يشرفون عليها، وبدون إشراف قضائى
ستعد الانتخابات باطلة بنص الدستور".
وتساءل المصدر: "على من سيعتمدون إذن فى الإشراف على الانتخابات؟.. فهم
خسروا كل القضاة، بمن فيهم المجموعة التى كانت تقف إلى جانبهم؟"، بحسب
قوله. وتابع "ساعدناهم فى حل أزمة الإشراف على استفتاء الدستور، ظنا منا
أنهم حسنوا النية وإن أساءوا التصرف، ولكنهم اليوم يكشفوا عن وجه آخر".
وأعرب عن دهشته من كم الاتصالات التى يتلقاها مكى لإثنائه عن قرار
الاستقالة، فى الوقت الذى وافقت فيه اللجنة التشريعية بمجلس الشورى (الغرفة
الثانية للبرلمان التى تتولى التشريع مؤقتا) أمس الأربعاء على قانون
السلطة القضائية الذى أغضب مكى.
واستبعد تراجع مكى عن قراره بالاستقالة "مع هذا التمادى فى فرض الأمر الواقع، وأتوقع أننا مقبلون على فوضى عارمة".
وأعرب عن ثقته فى أن "هذا القانون لن يمر، ولكن ما يحزننا أنه سيكلف البلاد
الكثير، كما كلفها من قبل الإعلان الدستورى الذى صدر فى نوفمبر الماضى"،
الذى أصدره الرئيس المصرى محمد مرسى ويقضى بتوسعة صلاحياته بشكل مؤقت، كما
تم على أساسه إقالة النائب العام السابق عبد المجيد محمود.
من جانبه، وصف حازم حسنى، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، المشهد بـ
"المرتبك"، وقال حسنى لمراسل الأناضول "الإخوان خسروا من قبل تيارات
إسلامية كانت متعاطفة معهم مثل السلفيين، وها هم يخسرون بهذا القانون
البقية التى كانت تساندهم من القضاة". وتوقع "مزيدا من التوتر فى البلاد
خلال الصيف المقبل، وهو الأمر الذى سيستحيل معه إجراء الانتخابات
البرلمانية".
وبدأت بوادر أزمة القضاة مع الإعلان الدستورى فى نوفمبر، وما ترتب عليه من
إقالة عبد المجيد محمود، والتى قوبلت باعتراضات بعض القضاة وقوى سياسية
معارضة، ثم ازدادا مع تظاهرات نظمتها قوى سياسية ونشطاء إسلاميون أمام
المحكمة الدستورية عقب الإعلان الدستورى للحيلولة دون نظر المحكمة فى دعاوى
حل مجلس الشورى والجمعية التأسيسية لصياغة الدستور، والتى كان من المقرر
نظرهما آنذاك.
وتصاعدت الأزمة مع صدور حكم قضائى مؤخرا بالإفراج عن الرئيس السابق حسنى مبارك فى قضية قتل المتظاهرين إبان الثورة.
ومما زاد من اشتعال أزمة القضاة، مشروع قانون السلطة القضائية، الذى تقدم
به حزب الوسط مؤخرا إلى مجلس الشورى وأحاله رئيسه أحمد فهمى إلى اللجنة
التشريعية التى وافقت عليه أمس.
وينص المشروع على تخفيض سن تقاعد القضاة إلى 60 عاما بدلا من 70 عاما، وهو
ما يعنى - حال إقراره - إنهاء عمل نحو 4000 قاض، وفق تقديرات محمد عبده
صالح عضو مجلس إدارة نادى القضاة بمصر.
وقدم أحمد مكى استقالته من منصبه كوزير للعدل الأسبوع الماضى لرئيس الوزراء
هشام قنديل، وهى الاستقالة التى لفت مكى فى نصها إلى أن معارضى الرئيس
المصرى ومؤيديه أجمعوا على رحيله.
وبالرغم من اتخاذ مزيد من الخطوات على طريق إقرار القانون من البرلمان
المصرى، إلا أنه ظهرت فى الأيام القليلة بوادر على احتمال تراجع جماعة
الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة عن مشروع قانون السلطة القضائية أو
تأجيله على الأقل، حيث نسبت الرئاسة المصرية للرئيس مرسى أمس تأكيده على أن
القانون لن يمر دون عرضه على السلطة القضائية.