الحمدُ لله الذي وَفَّق عبادَه الصالحين لطاعته، ونشر بينهم نَسَائِمَ رحمته، وخصَّهم بمزيد إحسانه ورضوانه، واصطفى منهم عبادًا مُخلصين، فأظهر على أيديهم الخَيْرَ ولم يتركهم لأهوائهم، ولا لشياطين إِنْسِهم وجِنِّهم، والصلاة والسلام على المبعوث خاتمًا للأنبياء والمرسلين، الماحي لظلمات الجهل والضَّلالة، الذي جعله الله نُورًا، فتمت على يديه الرِّسالة، فوصفه الله عزَّ وجلَّ في كتابه بخير الصِّفات، ونعته بعظيم السمات؛ فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} [الأحزاب: 45- 46].
وبعد:
فقد استقبل هذا العامُ الهجري المسلمين وهو يدعوهم قائلًا:
وَلِلدِّينِ وَالدُّنْيَا اعْمَلُوا وَتَنَافَسُوا *** لِيُحْمَدَ فِي الدَّارَيْنِ حُسْنُ الْمَغَبَّةِ
[أبو الفضل الوليد]
ويقول أيضًا:
وَنَادَيْتَ فِي الْإِسْلاَمِ حَيَّ عَلَى الْهُدَى *** فَيَا لَكَ مِنْ ظَمْآنَ قَدْ حَانَ وِرْدُهُ
[ابن دراج القسطلي]
فهل من مجيب لدعوة هذا العام إلى العمل والتنافُس في صالح الأعمال، والبحث عن الهدى والرشاد، والبُعد عن الغَيِّ والهوى؟!
وأكبر من ذلك وآكد في الحرص على أنْ نعمل أيامنا في العمل النافع، وأن نكون بارِّين بأيامنا غَيْرَ جاحدين لها- قولُ الرسول الكريم محمد صلَّى الله عليه وسلَّم في الحديث القدسي: «ما من يوم إلاَّ وينادي: إني يوم جديد، وإنِّي على ما تفعل منِّي شهيد، فاغتنمني، فلو غابت شمسي، لَم تدركني إلى يومِ القيامة».
وكذلك قالوا: إذا ذهب يومك، فقد ذهب بعضك.
وقال الشاعر [محمود الوراق]:
مَضَى أَمْسُكَ الْمَاضِي شَهِيدًا مُعَدَّلًا *** وَأَعْقَبَهُ يَوْمٌ عَلَيْكَ جَدِيدُ
فَإِنْ كُنْتَ بِالْأَمْسِ اقْتَرَفْتَ إِسَاءَةً *** فَثَنِّ بِإِحْسَانٍ وَأَنتَ حَمِيدُ
فَيَوْمُكَ إِنْ أَغْنَيْتَهُ عَادَ نَفْعُهُ *** عَلَيْكَ وَمَاضِي الْأَمْسِ لَيْسَ يَعُودُ
وَلاَ تُرْجِ فِعْلَ الْخَيْرِ يَوْمًا إِلَى غَدٍ *** لَعَلَّ غَدًا يَأْتِي وَأَنْتَ فَقِيدُ
إِذَا مَا الْمَنَايَا أَخْطَأَتْكَ وَصَادَفَتْ *** حَمِيمَكَ فَاعْلَمْ أَنَّهَا سَتَعُودُ
فيا مَن نام وقصر، وأضاع وفرط، وكسب من الأوزار ما لا يُطيق، اعْلَمْ أنَّ الله سبحانه وتعالى في كل يوم يُنادي عليك أن تعود وتتوب، وأن ترجع عن المعاصي والذنوب، فكن عاقلًا، وتنبَّه إلى ما فات، وأحسن فيما هو آتٍ، وإيَّاك أَنْ تنخدعَ بالتسويف، وأقدم على التوبة، وعَجِّل وبَادِر بها وبَكِّر؛ حَتَّى تكونَ من النَّاجِين يومَ الموقف العظيم، فإنَّه مَن {زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران: 185]، فدَعْكَ من التأخير في التوبة قبل أن يأتي يومٌ لا تنفع فيه الشفاعة، وتردّ فيه أسوأ بضاعة، فحَسِّن بضاعَتَك بالرجوع إلى الله، فإنَّ التوبةَ تَمحو كل ما فات، وتنال بها أرفع الدرجات بإذن ربِّ العباد، فهو القائل: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} [النساء: 48].
غفر الله لنا أجمعين، وجعلنا من عباده المخلصين، الذين اختارهم لطاعته، واصطفاهم لجنته، إنَّه وَلِيُّ ذلك والقادر عليه، آمين.
فما هذا الاجهد مقل ولاندعي فيه الكمال ولكن عذرنا انا بذلنا فيه قصارى جهدنا فان اصبنا فذاك مرادنا وان أخطئنا فلنا شرف المحاوله والتعلم